كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)
فيها، فقيل: إن شئت أن يستأنى بهم لعلنا نتخير منهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم فقال -عليه السلام-: "بل أستأني بهم" (¬1) فأنزل، مقاتل أن عبد الله بن أبي أمية والحارث بن هشام سألا رسول الله (¬2) أن يريهما آية مثل آيات الأنبياء قبله فأنزل (¬3)، واللفظ مجاز (¬4)، وحقيقته: ما منع آياتنا أن تكون مرسلة من عندنا إلا تكذيب الأولين، وفائدة (¬5) اللفظ ابتلاء المخاطبين ليتميز العالمون من غيرهم، {مُبْصِرَةً} جلية كقوله: {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12]، {فَظَلَمُوا بِهَا} فكفروا بها وكذبوا بها أو ظلموا أنفسهم بقتلها، {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} أي: لا نرسل الآيات (¬6) إليكم أيها الآخرون إلا على سبيل الإنذار والوعظ، والثاني لا نرسل بالآيات الملجئة إلا للتخويف الذي هو الإكراه.
{وَإِذْ قُلْنَا} واذكر إذ قلنا، وفائدة التذكير التشبيه بأنهم في قبضته، {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9]، واتصالها بما قبلها من حيث ذكر الآيات فإن الرؤيا من جملة الآيات، قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها النبي -عليه السلام- ليلة أسري به إلى بيت المقدس (¬7)، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} هي الزقوم نصب بالعطف على الرؤيا (¬8) أي. {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا}
¬__________
(¬1) أحمد (1/ 258)، والنسائي في الكبرى (11290)، وابن جرير (14/ 635)، والطبراني في الكبير (12736)، والحاكم (2/ 362) وسنده صحيح.
(¬2) في "ب": (رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(¬3) لم نجد من ذكره عن مقاتل، وسبب النزول المشهور في الآية ما تقدم عن ابن عباس.
(¬4) حمله على المجاز لأنّ الله لا يمنعه شيء، وانظر: القرطبي (10/ 244)، وإعراب القرآن لمحمود صافي (15/ 74).
(¬5) في "ب": (وفائدة الأولين).
(¬6) في "ب" "ي": (بالآيات).
(¬7) البخاري (3888).
(¬8) وجَوَّز الفراء الرفع وهي قراءة شاذة كما قال أبو البقاء العكبري قرأ بها زيد بن علي ورفعها على الابتداء بحيث تتبع الاسم الذي في فتنة من الرؤيا ومثله في الكلام: جعلتك عاملًا وزيدًا وزيدٌ.=