كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)
والثاني: قوله: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: 105]، على هذه القاعدة، والقرآن النازل بالحق إنما هو أمر ونهي دون عذاب، ودعوة داود -عليه السلام- صحيحة أيضًا مستجابة؛ لأنّ عيسى ابن مريم صلوات الله عليه لم يقتل ولم يصلب ولم يمت بعد، وأما في سورة "النمل" عند قوله: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: 12]، فمشكل جدًا يحتمل أن المراد تسع مع اليد والعصا ويحتمل سوى اليد والعصا ويحتمل سوى العصا (¬1) وقد اختلفت الروايات عن ابن عباس (¬2)، وروى عكرمة اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الأموال والأنفس والثمرات (¬3) وهو قول الشعبي ومجاهد والكلبي (¬4)، ولا يبعد أن يكون الجراد مع القمل آية واحدة والسنون مع نقص الثمرات آية واحدة، وروى سعيد بن جبير عنه (¬5) في قوله: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40]، جملة الآيات غير محصورة منها اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر ونتق الجبل على بني إسرائيل وما آتاهم الله في التيه من المطعم والمشرب والملبس.
{مَسْحُورًا} ساحرًا بدليل سائر النظائر، وقيل: مسحورًا حقيقة لقوله: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27].
¬__________
(¬1) (العصا) ليست في "أ".
(¬2) روايات ابن عباس عند عبد الرزاق في تفسيره (1/ 390)، وابن جرير (15/ 98، 99، 102)، وابن أبي حاتم (9/ 2851).
(¬3) لم نجده عن عكرمة ولكن أحد طرق ابن عباس السابقة كان من طريق عكرمة.
(¬4) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (3/ 56).
(¬5) سعيد بن جبير عنه، أي: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في تأويل قوله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] وقد رفع ابن عباس هذا الحديث كما قاله الطبري في تفسيره وهو حديث طويل جدًا في قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون وما واجهه من ابتلاء. والحديث أخرجه النسائي في الكبرى (11326)، وأبو يعلى (2618)، وابن أبي حاتم (5/ 1567)، وذكره الطبري في تفسيره (16/ 64) كما ذكره ابن كثير في تفسيره (5/ 279) وقال: موقوف من كلام ابن عباس وليس فيه مرفوع إلا قليل منه وكأنه تلقاه ابن عباس - رضي الله عنهما - مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره. أهـ.