كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)

النبي -عليه السلام- (¬1) ثلاثًا يغدون معه ويروحون معه حتى علموا قرآنًا كثيرًا ثم خرجوا مسلمين، وفيهم نزلت: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} [المائدة: 83]، ورجعوا إلى النجاشي فأخبروه بإسلامهم وبأنه نبي فأسلم النجاشي وأحسن جوار من كان عنده من أصحاب النبي -عليه السلام- وازداد في دينه رغبة (¬2).
{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} يقعون على الأذقان سجودًا واحده ذقن، والمراد بالأذقان الوجوه (¬3)؛ لأنّ الإنسان يعتمد عليه من وجهه، ويحتمل أنه كان من أعضاء السجود ثم نسخ بالجبهة والأنف، {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا} ما كان موعوده إلا موجودًا بفعله كائنًا بتكوينه، قال كعب الأحبار: إن العبد لتحط عنه الخطايا ما دام ساجدًا.
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ} ابن عباس: نزلت الآية ورسول الله- صلى الله عليه وسلم - مختف بمكة فكان إذا صلَّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فكان المشركون إذا سمعوا شتموا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه -عليه السلام-: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أي: بقراءتك فيسمع (¬4) المشركون فيسبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال: {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (¬5)، وعن عروة (¬6) قال: قالت خالتي عائشة: يا ابن أختي أتدري فيما أنزلت: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}؟ قلت: لا، قالت: بالدعاء (¬7)، قالت
¬__________
(¬1) في "ب": (النبي -صلى الله عليه وسلم-).
(¬2) هذه القصة بطولها رواها ابن عباس - رضي الله عنهما - مع اختلاف في بعض ألفاظها، أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 595)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1184).
(¬3) قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - وقتادة. أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 120)، وعبد الرزاق في تفسيره (1/ 392)، والأذقان في كلام العرب جمع ذَقن وهو مجمع اللَّحْيَيْن. قال الزجاج: الذي يخر وهو قائم إنما يخر لوجهه والذقن عضو من أعضاء الوجه وهو أقرب الأشياء إلى الأرض، وكذا قال ابن الأنباري.
[معاني القرآن للزجاج (3/ 264)، زاد المسير (3/ 59)].
(¬4) في الأصل و"أ": (يسمع).
(¬5) البخاريُّ (4722)، ومسلم (446).
(¬6) في "ب": (عائشة).
(¬7) البخاري (4723)، ومسلم (447).

الصفحة 1132