كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)

{وَلَوْ دُخِلَتْ} أي المدينة {مِنْ أَقْطَارِهَا} أطرافها ونواحيها {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} أي طلبوا الكفر {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} أي لو أتوا الفتنة لما أمهلهم الله إلا قليلًا، ويحتمل أنهم أتوها ولم يلبثوا بها لأتوها (¬1) وبالثبات على الإيمان إلا قليلًا عاهدوا الله من قبل، يعني بيعة العقبة قبل الهجرة فعقد عليهم ذلك العقد العباس بن عبد المطلب لرسول الله (¬2) بإذن الله تعالى.
{الْمُعَوِّقِينَ} المثبطين، والعائق الصارف عن القصد (¬3) {هَلُمَّ} كلمة دعوة، قيل: أصلها هل الاستفهام (¬4) والأمر من أم يؤم.
{أَشِحَّةً} الظاهر أنه الشح يمنع الموالاة والنصر. وذكر الكلبي أنه يمنعهم النفقة عن إخوانهم الذين كانوا في المعسكر {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} في مماليقهم {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} للدهش والحيرة {سَلَقُوكُمْ} سلخوكم نقول سلقته بالسوط وسلقت اللحم عن العظم ومنه السلاق، وهو يقشر جلد اللسان، ولكنه مستعار في الجهر بالقول السيء ورفع الصوت، ومنه خطيب سلاق. وفي الحديث: "ليس منا من سلق أو حلق" (¬5) وفي الحديث: "لعن الله السالقة" (¬6) {حِدَادٍ} جمع حديد وهو ذو الحدَّة.
¬__________
(¬1) (بها لأتوها) ليست في "ب" "ي".
(¬2) في "ب": (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
(¬3) قاله الجوهري في تهذيب اللغة (3/ 18)، إذا أردت أمرًا فصرفك عنه صارف تقول: عاق يعوق عوقًا، والتعويق ترييث الناس عن الخير.
(¬4) "هَلُمَّ" قال في اللسان (12/ 617) بمعنى أقبل، وهذه الكلمة تركيبية من "ها" التي للتنبيه ومن "لم" ولكنها قد تستعمل استعمال الكلمة المفردة البسيطة. قال الزجاج: زعم سيبويه أن هلم "ها" ضمت إليها "لم" وجعلتا كالكلمة الواحدة، وأكثر اللغات أن يقال هلم للواحد والاثنين والجماعة وبذلك نزل القرآن: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [الأنعام: 150] قاله سيبويه: وهي لغة أهل الحجاز، وما ذكره المؤلف من أنها بمعنى الاستفهام وأنها بمعنى هل فقد ذكره ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (6/ 60 هلم) وقال: أصلها هل أؤم كلام من يريد إتيان الطعام.
(¬5) أحمد (4/ 411، 416)، وإسحاق بن راهويه (2318، 2319)، وابن حبان (3151) والحديث ضعيف والبعض يحسنه.
(¬6) ابن حبان (3152)، والحديث صحيح. وانظر: غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 493)، والنهاية في غريب الحديث (2/ 391).

الصفحة 1402