كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

على العصيان والطغيان والإنكار على ربه. وقيل: صار من الكافرين. وقيل: إنه لم يزل في رتبة الكافرين لمقت الله عينه.
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ} نداءٌ مفرد مبنيٌّ على الضم لمشابهته قبلُ وبعد {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} أي: انزلها واتخذها مَسْكنًا وأقمْ بها، كقوله: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ} (¬1)، {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} (¬2) وحقيقة السُّكون: ما يضاد الحركة (¬3). و {أَنْتَ} للتأكيد، كقوله: اذهب أنتَ وأخوك، وقوله: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} (¬4) وإنما اقتضى هذا التوكيد عطف الظاهرِ المرفوع على الضمير المرفوع في الفعل، إذ ليس يجوز ذلك عند البصريين إلَّا بالتأكيد بضمير مرفوع منفصل، أو بنوع فاصل، كقوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} (¬5) ولم يقل: وآباؤنا.
{وَزَوْجُكَ} حواء، سُميت حواء (¬6) لأنها خُلِقَتْ من شيء حي (¬7). وسُمّيَت جنّةُ الثواب جنَّةً لأنها أُخفيتْ أو لأن الغالب فيها الجنان والأشجار، فدخلت الأقضية في الاسم تبعًا {رَغَدًا} واسعًا من النِّعم التي [لا تقدير] (¬8) فيه {حَيْثُ} اسمُ ظرف يُطلق على الزمان والمكان (¬9)، وهاهنا للمكان، تقديره من حيثُ شئتما الأكلَ منه. وبُنيَ على الضم لتضمُّنِهِ معنى الجمع ولإبهامه وتعريته عن الاستفهام كـ: نحن بخلاف: أَيْنَ وَكَيْفَ. {وَلَا
¬__________
(¬1) سورة الإسراء: 104، والآية وردت في جميع النسخ بشكل خاطئ.
(¬2) سورة الأعراف: 161.
(¬3) وسكن بمعنى أقام معروف في كلام العرب، ومنه قول كثير عزة:
وإن كان لا سعدى أَطَالتْ سُكُونَهُ ... ولا أَهْلُ سُعْدَى آخِرَ الدَّهْرِ نَازِلُهْ
[اللسان (سكن)].
(¬4) سورة المؤمنون: 28.
(¬5) سورة الأنعام: 148.
(¬6) (حواء) من (أ).
(¬7) وقيل: سميت حواء لأن في شفتيها كانت حُوَّة: أي حُمْرَة [اللسان (حوا): 14/ 207].
(¬8) ما بين [...] ليس في (ب).
(¬9) وهي للمكان اتفاقًا كما قال ابن هشام (مغني اللبيب 1/ 151) وقال الأخفش: وقد ترد للزمان.

الصفحة 146