كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 4)

{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86] إن رسول الله لما رأى قريشًا استصعبوا عليه، قال: "اللهم أعِنِّي بسبع كسبع يوسف" فأخذهم سنة فأحصت (¬1) كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة.
وروي العظام قال: وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان، قال: وأتاه أبو سفيان فقال: إن قومك قد هلكوا فادعُ الله لهم.
قال: فهذا قوله: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ} الآية، وقيل: هذا لقوله: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} قال: فهل يكشف عذاب الآخرة وقد مضى البطشة واللزام يوم بدر والدخان (¬2) وهذا مخالف لما تقدّم، والله أعلم بالصحيح.
{أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} في معنى قوله: {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: 105].
{فَاعْتَزِلُونِ} فاتركوني واهجروني.
{رَهْوًا} سكونًا أو متتابعًا، تقديره: اترك البحر ساكنًا على حالته (¬3) وعلى حالة الانفلاق غير مضطرب ولا ملتطم، أو اترك البحر متتابعة أمواجه في الهواء {كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63].
{فَمَا (¬4) بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ} أي أهل السماء {وَالْأَرْضُ} أراد مبالغة وصفهم في الهوان. وسئل ابن عباس (¬5): أتبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس من الخلائق أحد إلا وله باب من السماء أو في
¬__________
(¬1) في الأصل: (سنة حتى فاحصت).
(¬2) البخاري (1020)، ومسلم (2798).
(¬3) وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما -. أخرجه الطبري في تفسيره (21/ 35) وابن أبي حاتم (10/ 3288) وهو الذي رجحه الطبري، ومنه قول الشاعر:
كأنَّما أهل حُجْرٍ ينظرون متى ... يرونني خارجًا طيرٌ ينادِيدُ
طَيْرٌ رأتْ بازيًا نَضْحُ الدماءِ به ... وأمُّهُ خرجتْ رَهْوًا إلى عيدِ
(¬4) (فما) ليست في "ب".
(¬5) المثبت من "ب"، وفي البقية: (عياش).

الصفحة 1529