كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 4)
من الأغنياء ليخدمهما ولينفقا عليه، فهذان الرجلان قدما صحبهما في سفر ليهيىء لهما المنزل والطعام فغلبه النوم فلم يفعل شيئًا مما أمراه به، فأرسلاه إلى النبي -عليه السلام- ليسأله فضل طعام، فلما غاب قال أحدهما للآخر: والله لو أرسلناه إلى سميحة أو سُمَيحة - وهي بئر ذات ماء كثير - لقال ليس فيها ماء فهذه عيبتهما.
ثم إن الفقير أتى رسول الله -عليه السلام- (¬1) وأدّى الرسالة فقال رسول الله (¬2): "انطلق إلى أسامة بن زيد" وكان أسامة بن زيد يحفظ طعام رسول الله (2)، فأتاه فلم يجد عنده شيئًا، فرجع إلى صاحبيه وأخبرهما بالقصة، فأتاهما أسامة بن زيد وقالا: هو رجل بخيل أمره رسول الله ولم يعط فهذا ظنهما الذي هو الإثم، ثم إن الرجلين راحا إلى رسول الله (2) وقد أنزل الله هذه الآية (¬3) {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} لحلوله محل الاعتقاد الفاسد {أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} لأن المغتاب ينال من أخيه في حال لا يمكنه الامتناع كالذي يأكل لحم أخيه ميتًا.
{شُعُوبًا} وهي الأجيال التي تشعّبت من أولاد نوح -عليه السلام- {وَقَبَائِلَ} هي البيوت من كل جيل، والآية نزلت في ثابت بن قيس (¬4).
وعن ابن عباس قال: ما تعدُّون الكرام فيكم وقد بيّن الله أكرمكم عند الله أتقاكم، وما تعدون الحسب فيكم أحسنكم أخلاقًا أكرمكم إحسانًا (¬5)، وقال -عليه السلام- (¬6): "لينتهين رجال يفتخرون برجال من رجال الجاهلية قد صاروا حممًا في النار ويجعلنَّهم الله أذل من الجُعُل يدفع النتن بأنفه" (¬7) وقيل: الفخر بالهمم العالية لا بالرمم البالية.
¬__________
(¬1) (السلام) ليست في "ي"، وفي "ب": (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
(¬2) في "ب": (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
(¬3) ذكره القرطبي في تفسيره (16/ 331).
(¬4) ابن الجوزي في "زاد المسير" (7/ 465).
(¬5) "الأدب المفرد" (899) والحديث صحيح.
(¬6) (السلام) ليست في "ي" وفي "ب": (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
(¬7) أبو داود (5116)، والترمذي (3955)، وأحمد (1/ 301) والحديث حسن.