كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
مواضعه. وإنما سُمي الصدقُ حقًّا والكذبُ باطلًا؛ لأن معنى الصدق: ما تحقق كونُهُ، ومعنى الكذب: ما عُدِمَ كونُهُ. وتحقيق الشيء: إثباته. وإبطالُهُ: نفيه. {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} معطوف على النهي مجزوم. وإن شئتَ جعلتَهُ منصوبًا على الصّرْف (¬1). والكتمان: الإخفاء {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} تحريفه وكتمانه. وقيل: تعلمون الذي بَشَّر به موسى وعيسى والنبيون من قبل. قال قتادةُ: تعلمون أن الإِسلامَ دينُ الله (¬2). {وَآتُوا الزَّكَاةَ} أعطوها إذا وجبت عليكم. والزكاة في اللغة: نُمو الخير زكا الزرعُ، إذا نما. وفي الشرع: عبارة عن جزءٍ معهود من النِّصابِ يُعتبرُ به الحلول. وإنما سمي زكاةً لأن الله تعالى يكثر وينمي ثوابَ مؤديها. وقيل: لوقوع التزكية بها (¬3). قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬4). {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي: صلُّوا الصلوات الخمس مع محمَّدٍ وأصحابه في الجماعات. والركوع في اللغة: الانحناء (¬5). وفي الشرع: انحناء معهودٍ في الصلاة.
¬__________
(¬1) الأظهر بالنسبة للنصب أنه منصوب بإضْمَار "أَنْ" في جواب النهي بعد الواو التي تقتضي المعية، أي: لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وكتمانه، ومنه قول الشاعر [ينسب للأخطل النصراني وقيل للمتوكل الكناني وقيل لأبي الأسود الدؤلي]:
لاتَنْهَ عَنْ خلقٍ وتأتيَ مثله ... عارٌ عليك - إذا فَعَلْتَ - عظيمُ
و"أنْ" المضمرة هذه في تأويل مصدر معطوفه على الاسم الذي قبلها، والتقدير: لا يكنْ منكم لَبْسُ الحقِّ بالباطلِ وكتمانه.
وما ذهب إليه المؤلف بقوله: منصوبة على الصرف هو قول الكوفيين.
(¬2) ابن أبي حاتم (460)، وعزاه صاحب الدر (1/ 65) لعبد بن حميد ولم يعزه لابن أبي حاتم.
(¬3) في (أ): (قبله).
(¬4) سورة التوبة:103.
(¬5) ومنه قول لبيد بن ربيعة:
أُخَبِّرُ أَخْبَارَ القُرونِ التي مَضَت ... أَدِبُّ كَأنِّي كُلَّما قمتُ راكعُ
وقال ابن دريد: الركعة الهُوَّة في الأرض، لغة يمانية.
وقيل: إنما خص الركوع بالذكر لأنَّ بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع، وقيل: لأنه كان - أي الركوع - أثقل على القوم في الجاهلية حتى قيل إن عمران بن حصين عندما جاء ليسلم أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط على ألَّا يخرَّ إلاَّ قائمًا. فلمّا تمكّن الإسلام من قلبه امتثل ما أمر به من الركوع.
[القرطبي 1/ 234].