كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
التدوين"، فانبرى أعلام العلماء في التصدي للتأليف في أنواع علوم القرآن، فكان من أوائل من دوَّنوا في التفسير وعلومه: شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وتفاسيرهم جامعة لكثير من أقوال الصحابة والتابعين، وهو ما يمكن أن نسميه التفسير بالمأثور، وهؤلاء يعدُّون من أعيان القرن الثاني.
ثم يتحمل هذه الحمالة من بعدهم من فحول المفسِّرين ما استطاعوا أن يجمعوا ما دوَّنه من قبلهم ممن ذكرنا ويتوسعوا بأكثر مما بسط فيه القول من قبلهم، فانبرى العلاَّمة محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) فألَّف ما يمكن أن نعدَّه أجمع التفاسير على الإطلاق، فلم يؤلف مثله قبله ولا بعده ولم يترك شيئًا يحتاج طرقه إلا طرقه، فكان جامعًا يحوي التفسير بالمأثور بإسناده الذي تميَّز به، كما طرق جوانب نحوية وفقهية وأصولية مستعرضًا أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والقراءات، فكان جامعًا لشتى العلوم التي يحتاجها علم تفسير كتاب الله - عَزَ وَجَلَّ -.
ثم أخذ العلماء من بعده يتناولون هذا القرآن العظيم كل حسب ذوقه واختصاصه وما يمكن أن يقدِّمه خدمة لكتاب الله، فظهرت التفاسير المختلفة المطول منها والمختصر، فمنهم من تناول التفسير بالمعقول، ومنهم من تناوله بالمأثور، ومنهم من اهتمَّ بآيات الأحكام، إلى غير ذلك من ألوان العلوم المختلفة المختصة بكتاب الله - عَزَ وَجَلَّ -.
ثم أُلِّفَتْ كتب مستقلَّة في علوم القرآن كل واحد من هؤلاء الأعلام يتناول القرآن من زاوية معرفية، فالإمام علي بن المديني ألَّف كتابًا في أسباب النزول، وأبو عبيد القاسم بن سلام كتب في الناسخ والمنسوخ، وكلاهما من علماء القرن الثالث، وأبو بكر السجستاني ألَّف في غريب القرآن، وأبو بكر الفراء وأبو إسحاق الزجاج ألَّفا في معاني القرآن، وهؤلاء من أعيان القرن الرابع، وأبو القاسم السبيلي ألَّف في مبهمات القرآن، والقاسم بن سلام ألَّف في مجاز القرآن، وعلم الدين السخاوي ألَّف في القراءات.
الصفحة 20
1930