كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
{فَأَتَمَّهُنَّ} يحتمل أنه فعل الله تعالى فيكون بمعنى القضاء والإبرام، ويحتمل أنه فعل إبراهيم - عليه السلام - فيكون بمعنى الوفاء بها (¬1) {لِلنَّاسِ إِمَامًا} والإمام: الذي ينتهى إلى رأيه (¬2)، وقوله: {اقْتَدِهْ} وليس من شرط الإِمام الائتمام بالإمام في فعله المجرد ما لم ينضم إليه رأي أو قول، وذلك يؤدي إلى المضاهاة والمساواة.
وعلى الإمام رعاية المؤتمِّين، قال اللهُ تعالى لإبراهيمَ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} (¬3) وقال: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (¬4) {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} ذريةُ الرجلِ ما يتفرق وينتشر منه على وجه الأرض، وقيل: هي من: ذرأ اللهُ الخلق - بالهمزة - فيكون الذرية خليقة اللهِ منه.
{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} النيل: هو الإدراك والإصابة. والعهد: الوصية والأمانة لقوله: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ}. والظلم ها هنا (¬5) ظلم الاعتقاد لا ظلم السيرة (¬6)، لقوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (¬7) (¬8). يدُّل عليه قوله في شأنِ أهل مكة وهم ذرية إبراهيم: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (¬9)
¬__________
(¬1) الأقرب في "أتمهنَّ" أنه يعود على إبراهيم - عليه السلام - أي أتمَّ هذه الكلمات، وإتمامه إياهنَّ إكماله إياهن بالقيام لله بما أوجب عليه فيهن، وهو الوفاء الذي قال الله فيه: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)}.
[معاني القرآن للفراء (1/ 76) - غريب القرآن لابن قتيبة ص 63 - تفسير الطبري (3/ 7) - البغوي (1/ 104)].
(¬2) وقال الزجاج في معاني القرآن (1/ 184): الإِمام هو الذي يؤتمُّ به فيفعل أهله وأمَّته كما فعل، أي يقصدون لما يقصد.
(¬3) سورة الحج: 27.
(¬4) سورة البقرة: 125.
(¬5) في "أ": (هنا).
(¬6) في "أ": (اليسيرة).
(¬7) سورة البقرة: 254.
(¬8) ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
(¬9) سورة هود: 83.