كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

وفيهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} (¬1). وفيهم قوله تعالى: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (¬2). وأمَّا ظلمُ السيرة: إذا أكثر الإِمام الظلم (¬3) لم تزل ولايتُهُ، لأنَّ يونسَ ظلم نفسَهُ بعد ما بُعِثَ فلم يكن ذلك عزلًا.
وقال لداود: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬4) وكان إمامًا، فلم يؤثر في إمامته، ولكن كلف على خلع نفسه إن سَهُلَ ذلك من غير فتنة.
{وَإِذْ جَعَلْنَا} أراد به الحكم ها هنا دون التصيير (¬5). {الْبَيْتَ} المسكن سواءٌ كان خيمةً أو جدارًا أو سربًا في الأرض. وإنما سُمِّيَ البيتُ بيتًا لأنه يُباتُ فيه، والجمع: بُيُوت، وقِيلَ: أبيات. والمراد ها هنا: البيتُ العتيق أدامَ اللهُ حراسَتَهُ {مَثَابَةً} مفعلة من ثاب يثوبُ كالمفازة والمنارة، ويقال: إن فلانًا لمثابة إذا كان يأتيهِ الناسُ للرعايةِ ويرجعونَ مرةً بعدَ أخرى، وثانية بعد أولى.
والهاء للمبالغة عند الأخفش كالنسابة والعلاَّمة. ولا معنى لها عند الزجاج والفرَّاء كالمقام والمقامة (¬6). و {أَمْنًا} والأمن نقيض الخوف.
¬__________
(¬1) سورة النساء: 75.
(¬2) سورة الأنفال: 34.
(¬3) (الظلم) ليست في "ب" "أ".
(¬4) سورة ص: 24.
(¬5) في "أ": (التفسير) وهو خطأ.
(¬6) الأصل في "مثابة" مَثْوَبة، فَأُعِلَّ بالنقل والقلب، وهو مصدر، وقيل: اسم مكان. والهاء فيه إما للمبالغة كعلاَّمة ونسَّابة لكثرة من يثوب إليه أي يرجع، وإما لتأنيث المصدر أو تأنيث البقعة، وقد تحذف الهاء، ومنه قول ورقة بن نوفل:
مَثَابٌ لِأَفْنَاءِ القبائِلِ كلِّها ... تَخُبُّ إليها اليَعْمَلاتُ الذَّوَامِلُ
وهل هو من ثاب يثوب - إذا رجع - أو من الثواب الذي هو الجزاء قولان أظهرهما القول الأول، والله أعلم.
[القرطبي (2/ 110) - معاني القرآن للزجاج (1/ 186) - الدر المصون (2/ 104) - معاني القرآن للفراء (1/ 76)].

الصفحة 287