كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

اليوم السادس أقبل غلامان من العماليق النازلين حول مكةَ فأشرفا على الوافى ي فرأيا الماءَ فتعجَّبا وانطلقا إلى قومِهِما بخبرِ الماء، فسار منهم جماعةٌ حتى نزلوا الوادي، وقالوا لهاجر: مَنْ (¬1) أنتِ أيتها المرأةُ؟ من هذا الصبي؟ قالت: هذا ابنُ إبراهيم خليلِ الله ونبيّه، وهو ابني، وهذا الماءُ سقيٌ من الله لنا، قالوا: صدقْتِ، فإن عهدنا بهذا الوادي قريبٌ وما فيه إذ ذاكَ ماءٌ، فهل تأذنينَ لنا أن ننزلَ بهذا الوادي على أن نواسِيكُما بأموالنا؟ فأذنت استئناسًا (¬2) بالناس، فأقاموا معها سنين حتى شبَّ إسماعيلُ فقسَّموا له من أموالهم قسمًا، وعظموه فيما بينهم وعرفوا له حقَّهُ. قيل: إن امرأته الأولى التي لم تُلِن الكلام لإبراهيم ولم تستنزله كانت منهم (¬3) فطلَّقَها إسماعيلُ - عليه السلام -، وقيل: إنهما كانتا جُرهَميَّتين، ثم أقبل مضاض بن عمرو بن عبد الله بن جُرهم بن قحطان من اليمن في قبيلة جرهم. وقيل: إن جُرهمًا ليس بابن قحطان وإنما هو ابن أخي قحطان. واسمُ أبيه: يَفْطُر بن عابر حتى انتهى إلى مكة فزاحم العماليق ونفاهم، وزوَّج ابنته من إسماعيل - عليه السلام -.
{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا} إشارة إلى المكان والوادي {بَلَدًا آمِنًا} أهلُهُ، كقوله: آمِنَةً مطمئنة. والمراد بالأمن ما (¬4) اقتضاه الحرم من الأحكام المخصوصة به (¬5).
{مِنَ الثَّمَرَاتِ} أي: شيئًا مِنَ الثمرات عند الأخفش وقال غيره:
¬__________
(¬1) (من) ليست في "أ".
(¬2) (استئناسًا) ليست في "أ".
(¬3) في "ب": (معهم).
(¬4) في "أ": (من).
(¬5) أي أن إبراهيم - عليه السلام - في حَرَّمَ مكة ليستَتِبَّ فيها الأمنُ، ويشهد لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن إبراهيم حرَّمَ مكة وإني أحرِّم ما بين لابتيها" يعني المدينة. [صحيح مسلم -كتاب الحج- باب قضل المدينة، رقم 1361]. وتحريم مكة هو تحريم القتال فيها وأن لا يعضد شوكها وأن لا ينفَّر صيدها ولا تلتقط لقطتها ولا يختلى خلاها كما جاء في الحديث.

الصفحة 291