كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

(فيها) قائم مقام الاسم في كلام العرب كما هو ها هنا. وكذلك في قوله: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)} {مَنْ آمَنَ} إبدالُ البعض من الكل (¬1)، مثاله قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬2). وإنما خصَّ المؤمنين بالدعاء لأنه لا يجوزُ تولِّي الكافرين، وقيل: توهّمًا منه أنَّ الله تعالى لا يُؤَجّلهم إن قال: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}. فأخبر اللهُ بأنه يمهلهم ويمتِّعهم متاعَ الحياةِ الدُّنيا لتأكيد الحجةِ عليهم، ويحتمل أن الإخبار عن رزقهم إنما وقع لئلا يستدلَّ الكافرُ بالرزق أنه مصيبٌ مؤمن، وأن دعوةَ إبراهيم - عليه السلام - قد نالته. {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} فيعال من الضرورة وهو متعدٍّ (¬3) {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} المعاد.
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} روى الواقدي عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم العدوي، قال: لما بَلَغَ إسماعيلُ ثلاثين سنةً وإبراهيم يومئذٍ ابن مائةِ سنةٍ أوحى اللهُ تعالى إلى إبراهيم - عليه السلام - يأمره ببناءِ البيت وأنزل السكينةَ فاتبعها إبراهيمُ وهي ريحٌ لها وجهٌ وجناحان، ومع إبراهيم - عليه السلام - الملك والصُّرَد فانتهوا بإبراهيم - عليه السلام - إلى مكة منزل (¬4) إسماعيل - عليه السلام -، وفي رواية: كان إسماعيل - عليهم السلام - ابن عشرين سنة فأتاهُ أبوه وهو قاعد تحت دوحة يبري النبال، وموضع البيت يومئذٍ ربوة حمراء، فحفر إبراهيم وإسماعيل - عليه السلام - ليس معهما غيرهما يريدان أساس آدم - عليه السلام -، فحفرا عن ربض البيت. قال الواقدي: ربضة: حوله، فوجدا صخرة ما يطيقُها إلا
¬__________
(¬1) أي أن "من آمن" بدل بعض من كل وهو "أهله"، ولذلك عاد فيه ضمير على المبدل منه.
(¬2) سورة الصافات: 164.
(¬3) وقيل اضْطَرَّ: افتعلَ من الضُرِّ، وأصله: اضْتَرَّ فأُبْدِلَت التاءُ طاءً لأن تاء الافتعال تبدل طاءً بعد حروف الإطباق، وهو متعدٍّ كما ذكر المؤلف، وعليه جاء التنزيل، ومنه قول الشاعر:
اضْطَرَّكَ الحِرْزُ مِنْ سَلْمى إلى أَجَأ
[البحر المحيط (1/ 373) - الكشاف (1/ 311)].
(¬4) في "أ": (منزلة).

الصفحة 292