كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

والثالث: سفه نفسه فانتصب بنزع الخافض، ويحتمل هذا قوله: "إلا من سفه الحق"، وقولهم: فلانٌ سفه رأيُه. والرابع: قولُ (¬1) الفراء أن الفعل للنفس فلما أسند إلى (مَنْ) انتصب النفس على التفسير كقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} (¬2). وقولهم (¬3): ضقْتُ به ذرعًا من المعرفة كالنكرة، وكقوله: (بطرت معيشتها) (¬4)، وتقولُ العربُ: وجعت (¬5) بطنك وَوثقت رأيك، والدليلُ على أنَّ السفه فعلُ النفسِ غير واقع على النفس أنه لا يقال: رأيُه سفه زيدٌ، كما لا يقالُ: دارًا أنت أوسعُهُم، إنما يقال: زيدٌ سفه رأيُه، وأنت أوسعُهُم دارًا.
وقول أبي عبيدة (¬6) وأبي عبيد (¬7) أن معنى قوله: سفه نفسه أهلكها وأوبقها لا معنى لَهُ إلا أن يحمل قولهم: سفه الشرابَ على معنى استهلك. {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ} اخترناه، وفلانٌ اصطفى فلانًا، أي: جعله صفيًا، وهو على وزن الافتعال، وإنما جُعلت التاء فيه طاء لموافقتها الصاد في الإطباق. وإنما اصطفاه في الدنيا بالرسالة والخُلَّة. و {الدُّنْيَا} هي
¬__________
= ومن عرف نفسه بالعجز والضعف فقد عرف ربه بالقدرة والقوة. [الأسرار المرفوعة لملا علي القاري ص 337 - المقاصد الحسنة للسخاوي ص 419 - الحاوي للسيوطي (2/ 412)].
(¬1) في "أ": (قال).
(¬2) سورة النساء: 4.
(¬3) المثبت من "ي" وفي البقية: (قولك).
(¬4) سورة القصص: 58.
(¬5) في "ب": (وحقًا جعت) وهذا خطأ.
(¬6) أبو عبيدة في "مجاز القرآن" (1/ 56).
(¬7) أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله. الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون الكثيرة، كان أبوه مملوكًا روميًا لرجل هروي، ولد أبو عبيد سنة سبع وخمسين ومائة، قال ابن سعد: كان أبو عبيد صاحب نحو وعربية وطلب للحديث والفقه. قال الذهبي: له كتاب "الأموال" لم يصنف مثله في الفقه، وله كتاب "غريب الحديث" ذكره بأسانيده، ومصنفاته كثيرة جدًا يطول ذكرها. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين.
[وفيات الأعيان (4/ 60)؛ الكامل لابن الأثير (6/ 509)؛ إنباه الرواه (3/ 12)؛ السير (10/ 490)].

الصفحة 298