كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

{كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} (¬1) روي أن عبد الله بن رومان (¬2) قال لنبيِّنا -عليه السلام-: أَتبع (¬3) اليهودية تكنْ مهتديًا، ودعاه وفد نجران إلى النصرانية فأنزل الله (¬4). وفي {مِلَّةِ} ثلاثة أوجه، أحدها: أن معنى قولهم: اتبعوا اليهودية والنصرانية فنصب الملة وأضمر الاتباع اعتبارًا بالمعنى، والثاني: إقامة المضاف إليه مقام المضاف، تقديره: بل أصحاب ملة إبراهيم. والثالث (¬5): أن بل (¬6) تارة تدخل في الكلام موصولة وتارة مفصولة، وإذا كانت مفصولة فمعناها الابتداء هاهنا فنصب على التحريض والإغراء.
{حَنِيفًا} نعت إبراهيم -عليه السلام- نصب على القطع (¬7). والحنف: الاستقامة في قول القتبي (¬8)، قال: سمي الأعرج أحنف تفاؤلًا، كما سمي
¬__________
(¬1) سورة البقرة: 109.
(¬2) لم أجد لهذا الاسم ترجمة إلا عند ابن حبان في الثقات؛ قال: عبد الله بن رومان أخو يزيد بن رومان، من أهل المدينة، يروي عن عروة بن الزبير، روى عنه محمَّد بن إسحاق بن يسار. [الثقات (7/ 44)].
(¬3) في "أ": (اتبعوا).
(¬4) روى الطبري في تفسيره (2/ 589) عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمَّد تهتدِ، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله فيهم هذه الآية: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ...} الآية. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 241).
(¬5) (والثالث) في "أ".
(¬6) في "ب ": (والحاصل أن بل).
(¬7) في "حنيفًا" أربعة أوجه إعرابية:
الوجه الأول: أنه حال من إبراهيم لأن الحال تجيء من المضاف إليه قياسًا.
الوجه الثاني: نصبه بإضمار فعل. التقدير: نتبع حنيفًا، وقدَره أبو البقاء بـ "أعني"، وهو قول الأخفش الصغير.
الوجه الثالث: أنه منصوب على القطع، وهو رأي الكوفيين، وكان الأصل عندهم: إبراهيم الحنيف فلما نكَّرَهُ لم يمكن اتباعه.
[الكشاف (1/ 314) - الإملاء (1/ 66)].
(¬8) عبارة ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن (ص 64): (الحنيف: المستقيم، وقيل للأعرج: حنيف نظرًا له إلى السلامة) اهـ.

الصفحة 304