كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬1)، ويقال: أمثلُكَ يقولُ لمثلي. فيكون تقدير الآية على هذا: فإدن اَمنوا بما اَمنتم به، هكذا يروى في قراءة ابن عباس ومصحفِهِ (¬2). (في شِقَاق) في خلاف، قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (¬3) {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} السين بمنزلة سوف (¬4). والكفايةُ رفع المؤنة أو دفعُ المضرة. وفيه دلالة على نبوَّةِ نبينا لأنه تعالى كفاهُ إياهم، ومكَّنَهُ بعد قتلِ بني قريظة وإجلاءِ بني النضير وأخذ الجزية من أَهل نجران (¬5).
{صِبْغَةَ اللَّهِ} دين الله (¬6)، ردًا على الملة كأنها تدلُّ عليها، وهو اسمٌ من الصبغ، وهو تلوين الشيء، سُمِّي بذلك لأنه يؤثر في المتدين كالصبغ، قال الفراء (¬7): كانت النصارى إذا ولد لهم مولودٌ جعلوهُ في ماءٍ لهم، يعدُّودنَ ذلك تطهُّرًا لهم كالختان. وقيل: كانت النصارى تصبغُ أولادَهَا بماء لهم أصفر، يريدودن أنه يصير بذلك نصرانيًا خالصًا، ويقولون للمرتد: إدن ارتددتَ فانصبغ بهذا الماء.
{وَمَنْ أَحْسَنُ} استفهام بمعنى الإنكار، معناه: ليس أحدٌ أحسنُ من اللهِ صبغةً، ودينًا، ومما قام مقام الصبغ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}، وورودهم على الحوض غُرًّا محجلين من آثار الوضوء.
¬__________
(¬1) سورة الشورى: 11.
(¬2) قال الطبري في تفسيره (2/ 600) معلِّقًا على هذه القراءة - قراءة ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: روي عن ابن عباس في ذلك قراءة جاءت مصاحف المسلمين بخلافها وأجمعت قراءةُ القرآن على تركها.
(¬3) سورة النساء: 35.
(¬4) قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ} جيء بالسين دون سوف لأنها أقرب منها زمانًا بوضعها، وذكر أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن (1/ 218) أن الكاف والهاء والميم في موضع نصب مفعولان. ويجوز في غير القرآن فسيكفيك إياهم، وكذا الفعل إذا تعدَّى إلى المفعول الأول قوي فجاز أن يأتي في الثاني منفصلًا.
(¬5) (من أهل نجران) من "أ".
(¬6) وهذا تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - وقتادة وأبي العالية والربيع ومجاهد والسدي أخرجها عنهم الطبري في تفسيره (2/ 604).
(¬7) معاني القرآن (8211).

الصفحة 307