كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
والقبلة اسم لما يستقبل وهي مختصة في الشرع بما يجب استقباله في الصلاة {كَانُوا عَلَيْهَا} أي استقبالها وهي بيت المقدس، والمراد بقوله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} جميع المساجد على وجه الأرض وكذلك تشبيه إحدى (¬1) حالتيهم بالأخرى، أي: كما وليناكم عن قبلتكم التي كنتم عليها.
{جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} عدلا وخيارًا، ويحتمل أنَّ ذلكَ إشارة إلى قوله (¬2): {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} والفعل وَسَط بفتح السين وساطة وسطة، وقيل: وسُط بضم السين وساطة (¬3) {لِتَكُونُوا} أي: لكي تكونوا {شُهَدَاءَ} جمع (¬4) شهيد وشهادتهم يوم القيامة على الكفَار بتكذيب (¬5) الأنبياء - عليهم السلام - لمَا عاينوه أو ثبت عندهم بالوحي أو علموه بالأخبار المتواترة، وقيل: حجة على الناس عند إجماعهم. وإنما صاروا كذلك؛ لأنَّ كلَّ نبي كان يتلوه نبي فكان يجب انتظار (¬6) الأنبياء في الواقعات، فلما وقع الختم بنبينا ووقع اليأس ببعث رسول وجب عليهم الاجتهاد في الواقعات، وصار إجماعهم حُجَّة إذْ لا سبيل إلى الإهمال ولا إلى النص.
¬__________
(¬1) (إحدى) ليست في "ب".
(¬2) في "ي" "أ": (إشارة إلى قوله من في قوله ..).
(¬3) ذكر المؤلف فتح السين وضمها في "وسط" وفيه وجه ثالث وهو السكون، والتسكين يستعمل في كل موضع صلح فيه لفظ بَيْنَ فتقول: جلست وَسْطَ القوم - بالسكون-. قال الراغب في (المفردات ص 559): وسط الشيء ما له طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد. وأما في الآية فبالتحريك -أي بالفتح - فتكون اسمًا لما بين الطرفين، ويطلق على خيار الشيء لأن الأوساط محميَّة بالأطراف، ومنه قول أبي تمام:
كانت هي الوسط المَحْمِىَّ فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبَحَتْ طَرَفا
ووسط الوادي خير موضع فيه.
وقول زهير بن أبي سلمى:
هُمْ وَسَطٌ ترضى الأنامُ بحكمِهِم ... إذا نزلتْ إحدى الليالي بمعظمِ
[الكشاف (4/ 455) - ديوان أبي تمام (2/ 374) - القرطبي (2/ 154)].
(¬4) في الأصل (جميع) وهو خطأ.
(¬5) في "ب": (وتكذيب).
(¬6) في "ب": (انتظام).