كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
لآداب (¬1) النبوة حتى أتمَّ الله أمره فأكرم عبده وأنزل وحيه، ويجوز تمنِّي ما يجوز في العقل كونه كتمني تحريم الخمر وحجاب النساء، بخلاف تمني إباحة الظلم والفواحش وتحريم العدل والإحسان.
و (التقلب) لازم من التقليب و (الوجه) ما يواجه الإنسان به مع انضمام القرب إليه وذلك من قصاص الناصية (¬2) إلى أسفل الذقن ومن الأذن إلى الأذن {شَطْرَ} نحو المسجد الحرام المحدق بالكعبة، وإنما أمرنا باستقبال الكعبة إلى استقبال {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} والحرام اسم من التحريم كالحلال من التحليل، وإنما سمي حرامًا لكونه حرامًا على الاَفاقي (أن يدخله) ابتداء غير محرم أو علي كل أحد في جميع عمره مرة وإنَّما قال {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ليعلموا أنها قبلتهم بالمدينة (¬3) وبغيرها من البلاد لا قبلة لهم غيرها. وإنما لم يقل، (¬4): (فولُّوا وجوهكمٍ إليه) لرفع المشقة، إذ لو قال كذلك لوجب على الرجل أن يستقبله استقبالًا لو سار على وجهه لصادف عين القبلة، فهذا أمر عسير.
{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} علماء اليهود، تواطؤوا ولبسوا الأمر على غيرهم وهم يعلمون أن التحويل إلى الكعبة حقٌّ من ربِّهم لما قرؤوها في كتابهم، وقيل: الهاء (¬5) راجعة إلى المسجد الحرام؛ لأنهم يعلمون فضيلته ويعترفون (¬6) بها، والسلام في قوله: {لَيَكْتُمُونَ} للتأكيد والقسَم.
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ} لما قالت اليهود والنصارى ما ولاَّهم عن قبلتهم فأنزل الله جوابًا محتملًا في قوله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} أردفه قوله: {وَلَئِنْ (¬7)
¬__________
(¬1) في الأصل: (لأدب).
(¬2) في الأصل: (المعصية) وهو خطأ.
(¬3) في الأصل: (للمدينة).
(¬4) (يقل) زدناها ليستقيم المعنى.
(¬5) الهاء في (يعرفونه) وقد ذكر هذين القولين المذكورين عن السلف القرطبي في تفسيره
(2/ 162)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (1/ 158).
(¬6) في الأصل "ي" "أ": (ويعرفون).
(¬7) في الأصل بدون (ولئن).