كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

اتَّبَعْتَ} (¬1) فأيس النبي -عليه السلام- (¬2) عن أتّباعهم وأمته من نسخ طارئ يردُّه إلى قبلتهم وقطع المجادلة بينه وبينهم ثم قال: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} لأنهم خربوا البيت وخفي مكان الصخرة فتفرقوا لخفائه (¬3) وقد أعرض بعضهم عنها وتوجه إلى المشرق وتشتتت أهواؤهم وتساووا في الضلالة والغواية، فأخبر الله عن حالهم وحذر نبيَّه -عليه السلام- عن اتباعهم، وإنما حذَّره مع كونه معصومًا (¬4) ليبقى مكلَّفًا مثابًا فلا يكون استباقًا منه كما قال في شمأن الملائكة: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} واللام في {لَئِنّ} لام التأكيد، فلمَّا ضمّت إلى "أن" الشرطية أحدثت فيها معنى كقوله: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} ولولا اللام لقالوا: لا يخرجوا معهم والتنوين في "إذًا" عوض عن كلام محذوف ومجازه: إنَّك إذا اتبعت أهواءهم كنتَ من الظالمين، ولام التأكيد داخلة على ما يجيء بعد إذا وربما لم تدخل فينصب إذا اعتمد عليها. تقول للقائل: أزورك (¬5): إذًا أكرمك، ويجوز كون "إذًا" بدلًا عن (¬6) الشرط ويكون حقيقتها للتوقيت، قال:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي (¬7) ...
¬__________
(¬1) قال الفراء والأخفش: أجيبت بجواب (لو) لأن المعنى: ولو أتيت، وكذلك تجاب (لوِ) بجواب (لئن) نقول: لو أحسنت أحسن إليك، ومثله قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} أي: لو أرسلنا ريحًا.
وخالفهم سيبويه فقال: إن معنى (لئن) مخالف لمعنى (لو) فلا يدخل واحد منهما على الآخر، فالمعنى: ولئن أتيت الذين أتوا الكتاب بكل آية لا يتبعون قبلتك.
قال سيبويه: (ومعنى {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا}: ليظلن). اهـ من القرطبي في تفسيره (2/ 162).
(¬2) في "ب ": (صلى الله عليه وسلم).
(¬3) في "أ": (بخفائه).
(¬4) في الأصل: (معصوم).
(¬5) (أزورك) من "ب" "ي".
(¬6) في الأصل: (بدل على).
(¬7) هذا صدر بيت نسبه ابن منظور في "لسان العرب" (7/ 393) للعنبري، وعجزه:
... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

الصفحة 315