كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

(أفلم) (أثم) ولم ينف العقل عن آبائهم ولكن بيَّن قبح إصرارهم على تقليد من لا يجوز تقليده، كما يقال: أنا على رأي شيخي. وقيل: لا يعقلون شيئًا من أحكام الشريعة إذ ذلك لا يعقل إلا بالوحي أو البناء عليه.
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: مثل واعظ الذين كفروا، ويحتمل أن التشبيه مراد {بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} و (¬1) إن اتصل بـ {الَّذِي يَنْعِقُ} كما في قوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} مراد بالنبات وإن اتصل بالماء، وهذا سائغ في مجاز الكلام، وقيل (¬2): {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في دعائهم الأصنام {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} بالأنعام، والنعيق صوت الراعي بالغنم (¬3)، الدعاء (¬4) والنداء واحد جمع للتأكيد يقعان جهرًا وخفية، وقيل: النداء أعمُّ ويكون عند رفع الصوت.
وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أفادت حكمين (¬5): أكل المستطاب من الحيوان كالأنعام والسمك والطيور والصيود دون المستخبث من الحيوان كالفواسق والمسوخ والحشرات والجوارح، والثاني: الاعتقاد بأنَّ الجميع رزقٌ من الله.
{إِنَّمَا حَرَّمَ} (ما) الكافة، و (ما) اسم عند من قرأ (الميتة) بالرفع (¬6)
¬__________
(¬1) في الأصل: (أو).
(¬2) في "ب": (فقال).
(¬3) ومنه قول الأخطل:
فانعق بضأنك ياجرير فإنما ... مَنَّتكَ نفسك في الخلاءِ ضلالا
أي أن مثلهم كمثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نُعِقَ بها ولا تعقل ما يقال لها، وهذا تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - رواه عنه الطبري في تفسيره.
[ديوان الأخطل ص 392 - مجاز القرآن (1/ 64) - تفسير السمعاني (2/ 127) - الطبري (3/ 45)].
(¬4) في "ب" "أ" الأصل: (الرعا).
(¬5) في الأصل: (حكيهن).
(¬6) الذي قرأ "الميتةُ" بالرفع هو ابن أبي عبلة، وتخريج هذه القراءة هو أن تكون "ما" موصولة و"حرمَ" صلتها، والعائد محذوف، التقدير: حَرَّمَه، والموصول وصلته في محل نصب اسم "إِنَّ" و"الميتةُ" خبرها. وعلى قراءة النصب "الميتةَ" وهي قراءة =

الصفحة 334