كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
فقال الرجل: إن كنتَ أحمسيًا فأنا أيضًا أحمسي، رضيتُ بهديك، فرفع الله الجناح عن ذلك الرجل لإرادته الخير وعفا عنه ونسخ عادة غير الحمس في هذه الخصلة وجعل عادة الحمس فيها شرعًا للمسلمين كلهم، وقال الزجاج: كان بعض من قريش ومن (¬1) سائر العرب يكره دخول البيت من بابه تطيُّرًا إذا رجع من سفره خائبًا (¬2). وقال أبو عبيدة: هو في ترك طلب البر من وجهه وطلبه من غير وجهه.
{وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ} نزلت في قريش عن ابن عباس، وذلك حين خاف المسلمون عام الصلح أن لا يفي أهل مكة بعهدهم وكرهوا القتال في الحرم وفي الأشهر الحرم فأنزل الله الآية ليعتقدوا القتال ولا يكرهوا (¬3) {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يعني المقاتلة {وَلَا تَعْتَدُوا} بقتل النسوان والصبيان، وروي أنه --عليه السلام-- (¬4) رأى عام الفتح امرأة مقتولة فأرسل إلى خالد بن الوليد (¬5) "أن لا يقتل ذرية ولا عسيفًا" (¬6) ..
¬__________
(¬1) في الأصل: (من) بدون واو.
(¬2) ذكره الزجاج في معاني القرآن (1/ 262).
(¬3) رواه الطبري في تفسيره (3/ 289) من طريق عطية العوفي. وهذا سند ضعيف، وذكره الحافظ ابن حجر في "العجاب" ص 278 من طريق الكلبي، وقال الكلبي: ضعيف، ثم قال: وأولى بالقبول في سبب نزول الآية ما رواه الربيع بن أنس أن هذه الآية أول آية نزلت في الإذن للمسلمين في قتال المشركين. وسياق الآيات يشهد لصحة ذلك.
(¬4) (السلام) ليست في "ي".
(¬5) خالد بن الوليد بن المغيرة. سيف الله وفارس الإسلام وقائد المجاهدين، أبو سليمان القرشي المخزومي وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث. هاجر مسلمًا سنة ثمان من الهجرة، سمَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - سيف الله، وشهد مؤتة والفتح وحنين وغيرها من المشاهد، وحارب أهل الردة وشهد حروب العراق والشام ولم يبقَ في جسده قيد شبر إلا وعليه جرح أو كلم. ومناقبه غزيرة ومات على فراشه في حمص سنة إحدى وعشرين.
[الاستيعاب (3/ 163)؛ أسد الغابة (2/ 109)؛ تهذيب تاريخ ابن عساكر (5/ 95)؛ الإصابة (3/ 70)؛ السير (1/ 366)].
(¬6) رواه أبو داود (2669)، والنسائي في الكبرى (8625، 8627)، وابن ماجه (2842)، وأحمد (3/ 488، 4/ 178)، وابن أبي شيبة في مصنفه (33117)، وعبد الرزاق في مصنفه (5/ 201)، وابن حبان (4789)، والحاكم (2/ 133)، والبيهقي في سننه الكبرى (9/ 82، 91).