كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
وقوله: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} منسوخ بآية السيف (¬1) {فَإِنِ انْتَهَوْا} للانتهاء معنيان: بلوغ النهاية، قال الله تعالى: {سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (¬2) والانتهاء هو الوقوف على قضية النهي كما أن الائتمار هو وقوف على قضيَّة الأمر وهو المراد ههنا أي امتنعوا عن القتال {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} عن مجاهد أنها ناسخة (¬3)، وقيل: هي منسوخة {الدِّينُ لِلَّهِ} أي التديُّن لله، وهو أن يكون تديُّن الإسلام الذي ارتضاه دينًا، والانتهاء هو عن الكفر على قول مجاهد (¬4)، وعن القتال على قول من يعدُّها منسوخة {فَلَا عُدْوَانَ} أي مجاوزة العدوان.
{الشَّهْرُ الْحَرَامُ} نزلت في إقامة قتال المشركين في يوم الشك من رجب مقابلة قتالهم عام الصدَّ في شهر ذي القعدة ليكون قصاصًا، وقيل: هي إقامة عمرة القضاء مقام العمرة التي صدَّ عنها المشركون بالحديبية (¬5) {وَالْحُرُمَاتُ} المحرَّمات أي بعضها {قِصَاصٌ} ببعض مثل القتل بالقتل والجرح بالجرح، وقيل: الحرمات حرمة الشهر والإحرام والحرم، وفيه اختصار، وتقديره: الحرمات بالحرمات قصاص مع المتقين بالنصرة والولاية.
{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} روى حيوة بن شريح (¬6) عن يزيد بن أبي
¬__________
(¬1) ذهب إلى النسخ قتادة كما في الطبري (2/ 351)، وابن الجوزي في زاد المسير (1/ 199). وأما عن مجاهد فذهب إلى أنها آية محكمة.
(¬2) سورة النجم: 14.
(¬3) الذي قال أنها ناسخة هو قتادة والربيع ومجاهد رواه عنهم الطبري في تفسيره (3/ 296)، وابن الجوزي في ناسخه ص 182، وابن أبي شيبة (14/ 352).
(¬4) لم أجده عن مجاهد إنما عزاه بعض أهل التفسير دون نسبة لأحد، انظر: زاد المسير (1/ 200).
(¬5) انظر: زاد المسير (1/ 201)، وأسباب النزول للواحدي ص 55، وتفسير البغوي (1/ 163)، والقرطبي (2/ 351)، والعجاب ص 280.
(¬6) حيوة بن شريح بن صفوان، الإمام الرباني الفقيه شيخ الديار المصرية، أبو زرعة التجيبي، وكان مجاب الدعوة. قال ابن وهب: ما رأيتُ أحدًا أشدَّ استخفاءً بعمله من حيوة وكان من البكائين، وكان فقيرًا جدًا. توفي سنة ثمان وخمسين ومائة. =