كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
وقال: إنَّ الله تعالى يقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وقول أبي أيوب أصحّ لأنَّه شهد النزول وعرف البيان. وما كان من جعفر الطيَّار (¬1) يوم مؤتة، غير أن الرجل إذا ضيَّع نفسَه ولم يقاتل وتعرض للقتل فإنَّا نرى فيه رأي عمرو بن العاص حينئذٍ؛ لأنَّه كالقاتل نفسه، و {التَّهْلُكَةِ} اسم من الهلاك، وقال الخارزنجي (¬2) (¬3): لا أعرف مصدرًا على التَّفعُلة بضمّ العين إلا هذا، والمراد ههنا الهلاك في أمر الديانة، والهلاك يستعمل في غير ذلك، قال عمر: لولا علي لهلك عمر (¬4).
{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} محبة الله عبده ارتضاؤه لدينه (¬5) وسائر كراميه، ومحبة العبد ربَّه ارتضاؤه للعبادة والذكر، والفرق بين المحبة والإرادة أنك تريد عدوَّك بالمكروه والسوء ولا تحبه بالمكروه والسوء.
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ} عطف التطوع على الفرض، ويجوز ذلك إذا حلَّ محل
¬__________
(¬1) وذلك لأن جعفرًا الطيار استمرَّ في القتال إلى أن قطعت يداه. وأثر أبي أيوب الأنصاري ذكره البغوي في تفسيره (1/ 172)، وابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 96).
(¬2) أحمد بن محمَّد الخارزنجي، إمام أهل الأدب واللغة في خراسان، فاق فضلاء عصره هكذا قال السمعاني. شهد له ثعلب ومشايخ العراق بالتقدم في اللغة، وانبهر به أهل بغداد في تقدمه باللغة. توفي في رجب سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة. والخارزنجي نسبة إلى خارزنج اسم قرية بنواحي نيسابور من ناحية بشت.
[الإنساب للسمعاني (2/ 304)].
(¬3) هذا القول ذكره صاحب "لسان العرب" (10/ 504) مادة "هلك" وقال: (قال اليزيدي: التهلكة من نوادر المصادر ليست مما يجري على القياس). اهـ. والأصل أن يقال أن الضم أصل غير مبدل من كسر، وقد حكى سيبويه مما جاء من المصادر على ذلك التَّضُرَّة والتَّسُرَّة مع أن ثعلب زعم أنَّ الضم في "تَهْلُكَة" لا نظير له، وهو مردود بوروده كما حكاه سيبويه.
(¬4) انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (162)، والاستيعاب لابن عبد البر (3/ 1102)، والمناوي في فيض القدير (4/ 357).
(¬5) هذا مذهب الأشاعرة في تأويل المحبة حيث ينفون المحبة عن الله كما ذهب إليه المؤلف في تقريره لهذا المذهب.