كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} نزلت في شؤون كثيرة كذكر أشهر الحج والنهي عن الأشياء الثلاثة والأمر بالزاد والراحلة وإباحة التجارة في الإحرام وإيجاب الوقوف لذكر الله تعالى بالمشعر الحرام. و {الْحَجُّ} فعل و (الأشهر) ظرف، وجعل الفعل مبتدأ والظرف خبرًا على أحد تقديرهما أحدهما على حذف المضاف أي مدة الحج أشهر، تقول العرب: الحر شهران والبرد شهران (¬1)، والثاني أن يجعل الظرف مقدرًا للمبتدأ أو مقدرًا لشيء صفة له كما تقول: هذه الحنطة صاع وهذا الشعير قفيز (¬2)، والأشهر المعلومات (¬3): شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وإنما أطلق اسم الجمع على شيئين وبعض الثالث؛ لأن أكثر الشيء يقوم مقام الكل كما قام يومان ونصف مقام ثلاثة أيام في قوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} وقام يوم ونصف مقام يومين في قوله: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} فمن فرض فيهنَّ عين الوجوب فيهنَّ بالإحرام، وعن عطاء أنه التلبية، وتلبية النبي -عليه السلام- (¬4): "لبيك اللهمَّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" (¬5)، ويجوز الزيادة عليه.
¬__________
(¬1) قال القرطبي (2/ 504): (قال الفراء: وسمعت الكسائي يقول: إنما الصيف شهران وإنما الطيلسان ثلاثة أشهر).
وقال ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 209): (قال الفراء: تقول العرب: له اليوم يومان لم أره، وإنما هو يوم وبعض آخر، وتقول: زرتك لعام وأتيتك اليوم، وإنما وقع الفعل في ساعة، وذكر ابن الأنباري في هذا قولين؛ أحدهما: أن العرب توقع الجمع على التثنية). اهـ.
(¬2) {الْحَجُّ} مبتدأ و {أَشْهُرٌ} خبره، والمبتدأ والخبر لا بدَّ أَنْ يصدقا على ذات واحدة، وكما قال المؤلف: "الحج" فعل من الأفعال و"أشهر" زمان، وهما متغايران، والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه ذكر المؤلف منها وجهين، والوجه الثالث: أن تجعل الحدث نفس الزمان مبالغة، ووجه المجاز كونه حالًا فيه، فلما اتَّسع في الظرف جُعِلَ نفس الحدث ونظيره قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}.
[الدر المصون (2/ 322) - معاني القرآن (1/ 119)].
(¬3) في "ب": (المعلومة).
(¬4) بدل (السلام) في "ب": (صلى الله عليه وسلم).
(¬5) وهذه الصيغة - صيغة التلبية في الحج والعمرة- رواها عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا. =

الصفحة 365