كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
عن مجاهد (¬1) كانوا يخرجون حجاجًا لا يركبون ولا يتجرون ولا يتزودون فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فرخص لهم في الركوب والتجارة وأمروا بالتزوُّد، وعن سعيد بن جبير: كانت التجار ينزلون عن يسَار مسجد مِنَى ولا يحجون، والحاج ينزلون عن يمينه ويحجون حتى نزلت الآية فحجوا جميعًا (¬2).
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} وهو أن يثبت به ليلة التحريم تصلي الفجر بالغلس ثم تقف فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتكبر وتهلِّل وتدعو إلى أن يسفر (¬3) ثم [تدفع إلى مني قبل طلوع الشمس (والمشعر الحرام) هو المزدلفة كلها موقف فإن لم] (¬4) تبت به ولم تقف ودفعت إلى مني على وجهك من غير عذر فعليك دم وحجك تامٌّ، وروي أن النبي -عليه السلام- قدَّم ضعفة أهلِه إلى مني (¬5) وهو توقيت وليس بأمر الوقوف بها، والإفاضة هي الدفع في السير وكلام مفاض ومستفاض ومستفيض أي جار، و {عَرَفَاتٍ} اسم واحد على صيغة الجمع، وإنما سمي ذلك الموقف عرفات لوقوف الناس واحتباسهم به، وقيل: لطيبه، وقيل: لأن آدم اندفع من سرنديب (¬6) وحواء من جدة فالتقيا من هناك فتعارفا (¬7)، وقيل: لأن
¬__________
(¬1) رواه الطبري في تفسيره (3/ 502).
(¬2) رواه الطبري في تفسيره (3/ 507) عن سعيد بن جبير فذكره.
(¬3) في "ي": (تُسفر).
(¬4) ما بين [...] ليست في الأصل.
(¬5) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الحج، باب من قَدَّم ضعفة أهله بليل (3/ 526 الفتح)، ومسلم في صحيحه (2/ 939/49) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أنا ممن قَدَّمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة في ضعفة أهله. وفي رواية له أيضًا في الصحيحين: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جمع بليل.
(¬6) سرنديب: جزيرة كبيرة قرب الهند كما في "معجم البلدان" (3/ 205 - 216) ولعلها جزيرة سيلان المعروفة.
(¬7) انظر: "معجم البلدان" للحموي (3/ 215 - 216)، وهناك روايات أخرى على نزول آدم في بلاد الهند. وانظر: القرطبي (2/ 415).