كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)
جبريل عرفه إبراهيم -عليه السلام- ليقف هناك (¬1). و {الْمَشْعَرِ} المعلم والموسَم.
{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} نزلت في افتراض الوقوف بعرفات، وعن عطاء (¬2) كانت قريش تفيض من جمع وهو المزدلفة، ويقولون: إنا حمس لا يرون الإفاضة من الجبل وغيرهم يفيضون من عرفات فأمروا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس.
و {ثُمَّ} بمعنى الواو (¬3) كما في قوله: {ثُمَّ الله شَهِيدٌ} وقيل: الإفاضة من عرفات وجب من فحوى قوله: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} وهذه الإفاضة (¬4) من جمع إلى مني وهذا مخالف للإجماع، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرفة، والظاهر أنَّ المراد بالناس غير الحمس، وقيل: آدم -عليه السلام- (¬5)، وقيل: إبراهيم -عليه السلام- (5) وحده، وقيل: إبراهيم ومن حجَّ معهُ من الناس (¬6)، ومن أدرك الوقوف بعد الظهر إلى أن تمضي ليلة النحر فقد أدرك الحج.
¬__________
(¬1) تفسير الطبري (3/ 199)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 222) لابن المنذر عن ابن عباس.
(¬2) وجدته عن عروة وليس عن عطاء كما عند البخاري (3/ 75).
(¬3) فيه إشكال وهو مجيء "ثم" الدالة على الترتيب والتراخي مع أن الإفاضة الثانية هي الإفاضة الأولى لأن قريشًا كانت تقف بمزدلفة وسائر الناس بعرفة، فأمروا أن يفيضوا من عرفة كسائر الناس. ويجاب عن ذلك الإشكال بوجوه:
الوجه الأول: أن الترتيب في الذكر لا في الزمان الواقع فيه الإفعال.
الوجه الثاني: أن تكون هذه الجملة {ثُمَّ أَفِيضُوا} معطوفة على قوله: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} ففي الكلام تقديم وتأخير.
الوجه الثالث: أن تكون "ثم" بمعنى الواو.
الوجه الرابع: أن الإفاضة الثانية هي من جَمْعٍ إلى مِنَى والمخاطبون بها جميع الناس، وهو قول الضحاك، ورجحه الطبري، وهذا أقرب الأوجه وهو الذي يقتضيه ظاهر القرآن.
[الطبري (3/ 532) - الكشاف (1/ 349) - البحر (2/ 99) - الدر المصون (2/ 334)].
(¬4) (الإفاضة) ليست في الأصل.
(¬5) (السلام) ليست في "ي".
(¬6) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 214).