كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

فلو لم يرفع الإثم عن المتأخر لما جاز الرمي فيه، إذ التنفل بالرمي عبث {لِمَنِ اتَّقَى} أي رفع الإثم لمن اتقى محظورات الإحرام. روي أنَّ رجلًا توفي بمنى فقيل لعمر: أما تشهد دفنه؟ فقال: وما يمنعني عن دفن من لم يذنب (¬1) من غفر له، قال -عليه السلام-: "من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" (¬2)، و (الحشر) الجلا.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ} قال السدي وغيره: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي (¬3) وكان رجلًا حسن المنظر حلو المنطق خبيث السريرة، واسمه فيما يروى أبيّ وإنما لُقِّب بالأخنس لأنَّه خنس مع ثلثمائة رجل من حلفائه من بني زهرة يوم بدر ولم يشهدوا (¬4)، قال الحسن: نزلت في كل منافق ومراء (¬5) معناها عامة تنبيهًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، وإعجاب الشيء بالشيء أن يسرَّه {وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا في قَلْبِهِ} يعني يقول: الله شهيد على ما في قلبي من الوفاء والإخلاص {وَهُوَ أَلَدُّ} أشد الخصومَةِ فإنْ كان (الألد) (¬7) ههنا بمعنى النعت فالخصام مصدر كالقتال، وإنْ كان على معنى
¬__________
(¬1) في الأصل: (يثرب).
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور (3/ 302)، ومسلم في صحيحه- كتاب الحج، باب في فضل الحج (1350).
(¬3) ذكره الواحدي في "أسباب النزول" (57 - 58) وبعضه عند الطبري (3/ 572). وفيه أنه أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وأظهر له الإسلام فأعجَبَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك منه وقال: إنما جئتُ أريد الإسلام، والله يعلم أني صادق وذلك قوله: {وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا في قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} ثم خرج من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فَمَرَّ بزرع لقوم من المسلمين وحُمُر، فأحرق الزرع وعَقَرَ الحُمُرَ فأنزل الله: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى في الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}.
(¬4) الأخنس ترجم له ابن حجر في الصحابة في القسم الأول (1/ 25 - 26) (61) وقد أثبت أنه أسلم وكان من المؤلَّفة قلوبهم وشهد حنينًا، بينما ذهب آخرون أنه لم يسلم. وقد أثبت ابن حجر إسلامه وقال: (ولا مانع أن يسلم ثم يرتد ثم يرجع إلى الإسلام). اهـ.
وانظر القرطبي (3/ 14).
(¬5) عزاه إليه ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 219) وكذا عزاه لقتادة وابن زيد.
(¬6) (وسلم) من "أ".
(¬7) الألد: هو الشديد من اللَّدَدِ، وهو شدة الخصومة، ومنه قول الشاعر [وينسب للمهلهل]:
إنَّ تحتَ الترابِ عَزْمًاوَحَزمًا ... وخصيمًا أَلَدَّ ذا مِغْلاقِ =

الصفحة 371