كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

قبلها من حيث التقوى، وللـ (عرضة) معنيان؛ أحدهما: العدة المبتذلة. والثاني: الحائل المانع، وأصله من اعتراض الجدار والجذع أو الخيل أو الحية لك في طريقك، فتقديرها على المعنى الأول {وَلَا تَجْعَلُوا} اسم الله عدة مبتذلة لأيمانكم أن لا تبرّوا، وعلى المعنى الثاني: ولا تجعلوا اسم الله مانعًا لأن تبروا أي أبركم، فيكون {أَنْ تَبَرُّوا} في موضع الجرِّ بدلًا عن الأيمان على طريق الاشتمال عند الخليل والكسائي (¬1)، وعند سيبويه في محل النصب تقديره: تاركين أن تبروا أو لتبروا (¬2).
ووحدة الأيمان اليمين وهي الحلف وإنما سمِّي يمينًا لأنهم كانوا يصافحون بأيمانهم عند ذلك، وقيل: للتوثيق والتشديد، واليمن القوة عندهم، وعن ابن عباس أن اليمين اسم من أسماء الله تعالى فإن صحت فاليمين بمعنى اليامن، تقول: يمن الله الإنسان يمنًا ويُمنًا فهو ميمون، تقول العرب: يمين الله وأيمن الله وذلك على الجمع، وربما يستخفّون
¬__________
(¬1) ذكره القرطبي (3/ 99) فقال: (هو في موضع خفض على قول الخليل والكسائي).
(¬2) قوله: {أَنْ تَبَرُّوا} فيه ستة أوجه إعرابية:
الوجه الأول: وهو قول الزجاج والتبريزي أنها في محل رفع بالابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا خير لكم من أن تجعلوه عُرضةً لأيمانكم.
الوجه الثاني: أنها في محل نصب على أنها مفعول من أجله، وهذا قول الجمهور، التقدير: إرادة أن تبروا، وقدره المبرد: لترك أَنْ تبروا، وقدره أبو عبيدة والطبري: لئلا تبروا، واستشهدوا بقول الشاعر:
فحالِفْ فلا والله تَهْبطُ تَلْعَةً ... من الأرضِ إلا أنت للذلِّ عارفُ
أي: لا تهبط، فحذف "لا".
الوجه الثالث: أنها على إسقاط حرف الجر، التقدير: في أنْ تبرّوا، وعلى هذا التقدير تكون في محل نصب عند سيبويه والفراء، وفي محل جر عند الخليل والكسائي.
الوجه الرابع: أنها في محل جر عطف بيان لـ"أيمانكم" أي للأمور المحلوف عليها. وهذه الوجه فيه شيء من الضعف.
الوجه الخامس: أن تكون في محل جر على البدل من "لأيمانكم" بالتأويل الذي ذكره الزمخشري وهو أقرب من عطف البيان.
الوجه السادس وهو أظهر الأوجه: أنها على إسقاط حرف الجر، وهو نفى الوجه الثالث، إلا أن التقدير يختلف فيكون التقدير هنا هو: لإقسامكم على أن تبروا.

الصفحة 392