كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

الْقَيُّومُ}، قال: فضرب على صدري وقال: "ليهنك العلم أبا المنذر" وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم (¬1). واتصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر الفريقين والإنذار بيوم الدين ليزيد ذكر الله تعالى خشوع قلوب قدّر لها الخشوع، واسم الله مبتدأ و {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبره و {الْحَيُّ} ذو المشيئة والقدرة (¬2) و {الْقَيُّومُ} الدائم الفعل، وقيل: الثابت بنفسه، وقيل: القائم بالحوائج (¬3) وزنه فيعول من القيام والقيام فيه لغة، و (السِّنة) الوسن وهو النعاس ومخامرة النوم مع اليقظة، و (النوم) السبات وانقباض الروح من غير قطع وسبب مع بقاء القوى الحيوانية (¬4) في الجسد، وإنما نفى النوم بعد الوسَن على طريقة قولهم: ما لفلان قليل ولا كثير ونفي القليل ربما أثبت
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 556)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 141)، والحاكم في مستدركه (3/ 304) وصححه، ووافقه الذهبي والبغوي في تفسيره (1/ 267).
(¬2) هذا جنوح من المؤلف عن المعنى الحقيقي لـ "الحي"، ومعناه كما قال ابن جرير الطبري (4/ 527): الذي له الحياة الدائمة والبقاء الذي لا أول له بحد ولا آخر له بأمد. وبهذا التفسير لمعنى الحي عليه عامة المفسرين كالبغوي في تفسيره (1/ 268) والزجاج في معاني القرآن (1/ 333) والسمعاني في تفسيره (2/ 392) وغيرهم، ومع أن المؤلف أشعري في تأويلاته لآيات الصفات فهو يخالف بتفسيره هذا حتى الأشاعرة الذين يثبتون صفة الحياة لله -عَزَّ وّجَلَّ-، فالأشاعرة عامتهم يثبتون سبع صفات لله جمعت في قول الناظم:
له الحياة والكلام والبصر ... علم إرادة وخلق واقتدر
ولعل المؤلف ما أراد تفسير ذات الكلمة "الحي" بهذا التفسير وإنما أراد شيئًا متعلقًا فيها، فما من حي إلا وله مشيئة وقدرة، والله أعلم بمراد المؤلف.
(¬3) قوله: {الْقَيُّومُ} بمعنى القائم بالحوائج كما قال المؤلف، وبه فسر الطبري معنى القيوم مستشهدًا بقول أمية بن أبي الصلت:
لم تُخْلَقِ السماءُ والنجومُ ... والشمسُ مَعْها قَمَرٌ يعومُ
قَدَّرَهُ المهَيمنُ القَيُّومُ ... والحشرُ والجَنَّةُ والجحيمُ
... إلا لأمر شأنُهُ عظيمُ
وأصل "قيُّوم" قَيْوُوم، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً وأدغمت فيها الياء فصار قيومًا.
[الطبري (4/ 528) - ديوان أمية ص 24].
(¬4) في "ب": (للحيوانية).

الصفحة 427