كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

لذلك وأبى الله إلا إتمام نوره، والقصة طويلة، فلما بعثه الله إليه (¬1) دعاه إلى ربِّه تعالى فأنكر عليه وسأله: من ربك؟ قال: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فلبَّس أمره نمرود على الناس وقال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} ودعا رجلين من جنسه استوجبا القتل في حكمه فقتل أحدهما وأطلق الآخر وقال: أمتُّ هذا وأحييتُ هذا ليوهم الناسَ أن إبراهيم كان يعنيه، أو ليوهمهم أن إبراهيم كان يجادله فانقطع بالمنع أو نحوه.
فلما علم إبراهيم ذلك منه جادله أيضًا وتحدَّاه إلى أن يأتي بالشمس من المغرب معارضة فبُهت وكان (¬2) عجزه عن الفعل دلالة على كذبه، وعجزه عن الجواب معجزة لإبراهيم - عليه السلام - حيث لم يقال أنا الآتي بها من المغرب أو لا أسلم أن ربك الآتي بها من المشرق أو آية دلالة على الربوبية في الإتيان بها من المشرق، وإنما جادله إبراهيم بهذه النكتة الثانية ولم يجادله بحقيقة الإحياء والإماتة؛ لأنَّ هذه الثانية كانت أقرب إلى أفهام المستمعين حولهما، وقيل: جادله بالنكتة الأولى وأظهر تمويهه وأخذه بالمجاز وأقام الحجة بتلك النكتة، ثم أتي بالنكتة الثانية بعد إلاستفتاء إلا أن الله أوجز القصة، والأصح أنه لم يكن يجادل أولًا وإنما ذهب نمرود إلى الجدال.
{أَلَمْ تَر} يقتضي تعجبًا فكأنه قيل (¬3): هل رأيت كمثله (¬4) والهاء في قوله {أَنْ آتَاهُ} (¬5) راجعة إلى نمرود، ويجوز تسليط الكافر ابتلاء كقوله: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} والشمس جسم منير جعلهُ الله آية النهار وسيره في ذلك، واختلف في حرِّها، قيل: شعاعها (¬6) يوصل إلينا حرارة النار من دون الفلك بإذن الله تعالى،
¬__________
(¬1) في "أ": (اليد)
(¬2) في الأصل: (فكان).
(¬3) في "ب": (قال).
(¬4) في "ب": (مثله).
(¬5) في الأصل "ي": (اتيه).
(¬6) في "أ": (شعا).

الصفحة 432