كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

بباله أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها فتلفظ به من غير إنكار، فابتلاه الله في الحال.
وقوله: {أَوْ كَالَّذِي} معطوف (¬1) على معنى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ} وقد ذكرنا أن معناه هل رأيت كمثله، وقيل: معناه أو الذي على طريقة من يعبر عن يقين بمثله {خَاوِيَةٌ} خالية، ويعبر به عن الزوال والسقوط {عُرُوشِهَا} والعرش البناء من غير سقف أي ظل، وكان ابن عمر إذا نظر إلى عروش مكة قطع التلبية (¬2) (إحياء القرية) عمارتها.
{كَمْ لَبِثْتَ} أقمت بمكان أو على حال، وإنما قال {يَوْمًا} لأنه لم يرَ الشمس حتى انتبه، فلما حقق النظر رأى بقيَّة أثر الشمس فقال: أو بعض يوم، وإنما لم يشعر بمدة لبثه لأحد معنيين: إما لأنه لما غير عليه الحال أنساه الحالة الأولى أعني (¬3) حالة الموت، وإما لأنه لم يرَ في حال الموت شيئًا كالنائم الذي لا يحتلم لم يدر مقدار نومه وإن رأى رؤيا
¬__________
(¬1) قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي} قيل أنه معطوف على المعنى، وتقديره عند الكسائي والفراء: هل رأيتَ كالذي حاجَّ إبراهيم أو كالذي مرَّ على قرية. والعطف على المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول زهير:
تقيٌّ نقيٌّ لم يُكَثِّر غنيمةً ... بنَهْكَةِ ذي قُرْبَى ولابِحَقَلَّدِ
فإن معناه: ليس بمكثر ولا بحقلد، وجاءت الباَء زائدة في خبر "ليس".
وقيل: إنه منصوب على إضمار فعل، وإليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء، والتقدير: أو رأيتَ مثل الذي.
وقيل: الكاف زائدة كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
وقيل: إن الكاف اسم بمعنى مثل، لا حرف، وهو مذهب الأخفش، وهذا أقرب الأقوال - والله أعلم. وان كان جمهور البصريين على خلافه، ويشهد له قول الشاعر [ينسب لامرىء القيس]:
وإنك لم يفخر عليك كفاخرٍ ... ضعيفٍ ولم يَغْلِبْكَ مثلُ مُغَلَّبِ
[معاني القرآن للفراء (1/ 170) - ديوان زهير ص 234 - الكشاف (1/ 389) - الإملاء (1/ 109) - ديوان امرئ القيس ص 44].
(¬2) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 206)، ويروى عن عمر كذلك كما في شرح مسلم للنووي (8/ 204).
(¬3) في الأصل: (عني).

الصفحة 434