كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

ذلك من جهة الله تعالى محسوسًا (¬1) له بعد أن كان معقولًا (¬2)، والدليل على مزية العلم الضروري على غيره أنك تقول فيما علمته بالأخبار علمته حتى كأني شاهدته، ولا تقول فيما شاهدته علمته حتى كأني عقلته، وقيل: إن نمرود توعَّده إن لم يره ما ادِّعاه لربِّه تعالى من الإحياء والإماتة، وقيل أن إبراهيم مرَّ على جيفة فرأى السباع تصيب منها والطيور، وربما ألقت الطير بعض أجزائها في البحر فتلقمه الحيتان، فخطر بباله من كيفية الإحياء بعد التلاشي فسأل ربه أن يريَه كيف يحيي الموتى، والإراءة إحداث الرؤية في الرائي، وذلك لا يتعدَّى إلى مفعولٍ واحد وربما كان إظهار الموتى له فيتعدَّى إلى مفعولين (¬3).
والمراد بقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} إثبات إيمانه كما قال حسَّان (¬4):
ألستُم خيرَ من ركِبَ المطايا ... وأندى العالمينَ بطون راحِ
وكان (¬5) هذا السؤال لإظهار شأنه للسامعين وتزكية عن الشكِّ والإنكار كسؤاله عيسى - عليه السلام - (¬6): {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} (¬7) {قَالَ بَلَى} آمنتُ، ولكن أريد هذه الرؤية ليطمئنَّ قلبي ولا يخطر بباله شيء من الشبه (¬8)،
¬__________
(¬1) في الأصل "ب": (نحوسًا)، وفي "أ": (محبوسًا) والمثبت هو الصواب.
(¬2) قصة سبب النزول هذه ساقها الطبري بسنده كما في تفسيره (4/ 624)، والواحدي في أسباب النزول (ص 86)، وذكرها ابن حجر كما في "العجاب في بيان الأسباب" ص 437.
(¬3) الأصل أن "رأى" تتعدى إلى مفعول واحد، فلما دخلت همزة النقل أكسبتها مفعولًا ثانيًا. وأجاز الزمخشري أن تكون منقولة من "رأى" بمعنى عرف فتتعدى لاثنين.
[الكشاف (311/ 1)].
(¬4) البيت ليس لحسان كما قال المؤلف، وإنما هو لجرير، بل هو مشهور النسبة إلى جرير كما هو في ديوانه ص 85، وقد نسب لجرير في عامة المصادر منها شرح شواهد المغني (1/ 42)، ولسان العرب (7/ 101 - نقص)، ومغني اللبيب (1/ 17).
(¬5) في الأصل: (فكان).
(¬6) (السلام) ليست في "ي".
(¬7) سورة المائدة: 116.
(¬8) في "أ" "ي": (الشبهة).

الصفحة 436