كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

و (السعي) العدو والمشي. قيل: فائدة تخصيص الطير عموم الاعتبار ولأنها تطير كالجن وتمشي كالإنس والبهائم والحشرات وتبيض كالحيتان.
{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ} نزلت في الحثِّ على النفقة من فرض ونفل واتصالها بقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} وما بينهما من القصص عارض، وفي الآية مضاف مضمر تقديره: مثل نفقة أو كمثل زراع حبَّة (¬1) والحبة ثمرة السنبل والسنبلة من الزرع كالعنقود من الكرم والنخل، وفيها تشريف عدد السبع قبل ينبت {سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} وقيل: هذا شيء متصور وإن لم يوجد، وذلك يكفي في التمثيل لقوله: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ} يزيد على سبعمائة مثلها فصاعدًا.
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف (¬2) (¬3)، (الإتباع) الإعقاب (المنّ) تذكير النعمة اقتضاء
¬__________
(¬1) لا بدَّ من حذف حتى يصح التشبيه، لأن الذين ينفقون لا يُشَبَّهُونَ بنفس الحبة، واختلف في المحذوف فقيل: من الأول، والتقدير: ومثلُ مُنْفَق الذين أو نفقة الذين. وقيل: من الثاني فيكون التقدير: ومثل الذين ينفقون كزارع حبة.
[الدر المصون (2/ 578)].
(¬2) هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري، أحد العشرة، أسلم قديمًا ومناقبه شهيرة، وهو أحد الستة أهل الشورى، وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام. عاش خمسًا وسبعين سنة ومات سنة اثنتين وثلاثين. ودُفن بالبقيع، وكان مثلًا للغني الشاكر فقد خلف بعد موته ألف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا.
[الاستيعاب (2/ 844)؛ الإصابة (4/ 346)؛ تهذيب التهذيب (6/ 221)؛ سير أعلام النبلاء (1/ 68)].
(¬3) ذكره الواحدي في "أسباب النزول" (87) عن الكلبي، وذكره ابن حجر في "العجاب" ص 442 عن الثعلبي، أما عن عبد الرحمن بن عوف فإنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعة آلاف درهم صدقة، فقال: كان عندي ثمانية آلاف درهم، فأمسكت منها لنفسي ولعيالي أربعة آلاف درهم، وأربعة آلاف أقرضها ربي. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بارك الله فيما أمسكت وفيما أعطيت". أخرجه البزار (2/ 85) وأصل القصة في صحيح البخاري- كتاب الزكاة، باب رقم (10).
وأما قصة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فقال: علىَّ جهاز من لا جهاز له -وذلك في غزوة تبوك-=

الصفحة 438