كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

بالرجلين والتخبط (¬1) كمثل، وفيه معنى الصرع والمس إلمام الجن وهو الجنون، وذلك إشارة إلى قيامهم {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} قاسُوا أن الزيادة في آخر العقد بالإنساء كما هي في أول العقد (¬2)، فردَّ الله عليهم قياسهم وعاقبهم على ذلك وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (¬3)} قال: ما سلف، أي ما سبق حالة الحظر {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} إن شاء عفا عنه ما ارتكب من الشيء المكروه في العقول بغير إباحةٍ في الشرع، والدليل على كراهته في العقل أنه يؤدي إلى قطع الرحم والأخوة ويذم فاعله ولا يحمد.
{يَمْحَقُ اللَّهُ} المحق النقص (¬4) يعني ذهاب البركة، ومنه محاق القمر {وَيُرْبِي} يزيد الصدقات بالإثابة عليها، جاء على التجنيس (¬5) كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} وقوله: {كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} في العائد على آكل الربا مستحلاًّ له (¬6).
¬__________
(¬1) (والتخبط) ليس في "ب".
(¬2) في قوله: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} فيه ما يسميه البلاغيون بالتشبيه المقلوب، أي أنهم يريدون أن الربا مثل البيع ليصلوا إلى غرضهم، فعكسوا الكلام للمبالغة فأصبح المشبه به قائمًا مقام المشبه وتابعًا له، وهذا معروف في كلام العرب، ومنه قول البحتري يصف بركة بناها المتوكل:
كأنها حين لجَّت في تدفُّقِها ... يَدُ الخليفة لَمَّا سال واديها
وقول الآخر:
وبدا الصباح كأنَّ غرتهُ ... وجه الخليفة حين يمتدحُ
[إعراب القرآن وبيانه - الدرويش (1/ 430)].
(¬3) في "أ" "ي": (الربو).
(¬4) وهذا تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- حيث فَسَّر المحق بالنقص، رواه الطبري في تفسيره (5/ 45).
(¬5) التجنيس: هو الباب الثاني من البديع عند ابن المعتز، وعَرَّفَهُ: هو أن تجيء الكلمة تجانس كلمة أخرى ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها. ومَثَّلَ الخليل لذلك بقول الشاعر [وهو منسوب للخريمي]:
يومٌ خَلَجَتْ على الخليجِ نفوسهم ... غَضَبًاوأَنْتَ لمثلها مستامُ
[كتاب البديع لابن المعتز ص 55 - معجم البلاغة العربية لبدوي طبانة ص 139].
(¬6) في "ب" العبارة: (في العارض على أكل الربا استحلاله).

الصفحة 445