كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

مسعود وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسَن (¬1)، وهذا يدلُّ على جواز نسخ الوعيد على ما سبق من وجوه النسخ، فإن قيل: هل كان يجوز قبل النسخ تكليف ما لا يطاق؟ قلنا: هو على وجهين: تكليف ما لا يتوصل إليه إلا بطلب النفس وهو جائز عقلًا وشرعًا لجواز طلب الحق إذا كان وجوده مرجوًا من غير إلمام النفس كقوله: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (¬2) الآية، والآخر تكليف ما لا يتوصل إليه بوجه ما، وهو جائز على وجه العقاب والعدوان دون التعبُّد، قال الله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)} (¬3) وقال عليه السلام: "من كذب في رؤياه كلِّف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقدهما أبدًا" (¬4) وقيل: الآية عامة خصصها قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ويحتمل أنها عامة في اللفظ خاصة في المعنى لدلالة الحال، ويحتمل أنها فيما سبيله الاعتقاد دون العمل، ويحتمل أن تكون المحاسبة على وجه الإخبار دون السؤال والجزاء، قيل:
¬__________
(¬1) هذه الآية منسوخة بالآية التي بعدها كما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} اشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بركوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله، كلّفنا من الأعمال ما نطيق: من الصلاة والصيام والصدقة، وقد أنزلت هذه الآية ولا نطيقها، فقال: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير". فلما اقترأها القوم، وذلَّت بها ألسنتهم، أنزل الله في إثرها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} إلى قوله: {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
[أخرجه مسلم - كتاب الإيمان (1/ 115)، وأحمد في مسنده (2/ 412)، وابن حبان في صحيحه (1/ 350)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 75) وغيرهم].
وقد ذكر النسخ عمن ذكرهم المؤلف وقد ذكرهم الطبري (5/ 130)، وابن الجوزي كما في تفسيره (1/ 243)، والقرطبي (3/ 421) وغيرهم.
(¬2) سورة النساء: 66.
(¬3) سورة المدثر: 17.
(¬4) الحديث في صحيح البخاري (التعبير ب 45)، وأبي داود في سننه - كتاب الأدب (88)، والترمذي - كتاب الرؤيا (8) وغيرهم بلفظ: "من تَحَلَّم بحلم لم يره كلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل".

الصفحة 452