كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 1)

لما نزل قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} شقَّ ذلك على المؤمنين فشكوا إلى النبي -عليه السلام- فـ {قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} فأثنى الله تعالى على نبيِّه وعلى المؤمنين بذلك وخفَّف عنهم، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينا جبريل قاعد عند النبي -عليه السلام- سمع نقيضًا من فوقه فرفع رأسه فقال: "هذا باب من السماء فتح اليوم لم يُفتح قط إلا اليوم"، فنزل منه ملك فقال: "هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم" فسلَّم على رسول الله فقال: "أبشر بنورين أوتيتَهما لم يؤتَهُما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب وخواتم البقرة لم تقرأ بحرف إلا أعطيته" (¬1) فأما ابتداء نزول الآية فقيل أنه كان ليلة المعراج وإنما قال: {كُلٌّ آمَنَ} لأنه ردّ في اللفظ ولو ردّ إلى المعنى لقال: آمنوا، وقد نزل القرآن بالطريقتين جميعًا، ومنه قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} وإنما لم يبن (كل) إذ أنقطع عن المضاف لأن فيه معنى الإضافة، وإن انقطع بخلاف قبل وبعد {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ} أي يقولون: لا نفرق ضدَّ ما قالت الكفار: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ}.
{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} السمع الإجابة والطاعة إتيان الطاعة واستعمالها وهي ضد المعصية {غُفْرَانَكَ} نصب على سبيل السؤال والطلب قريب من الإغراء (¬2).
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا} الآية قيل أن جبريل قال للنبي -عليه السلام-: إن الله
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه- كتاب صلاة المسافرين (1/ 544/ 43) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا.
(¬2) قوله: {غُفْرَانَكَ} منصوب إما على المصدرية، قال الزمخشري: منصوب بإضمار فعله يقال: "غفرانك لا كفرانك" ومذهب سيبويه تقدير ذلك بجملة طلبية كأنه قيل: "اغفر غفرانك"، ونقل ابن عطية هذا عن الزجاج، والظاهر- والله أعلم - أن هذا من المصادر اللازم إضمار عاملها لنيابتها عنه، وقد اضطرب فيها كلام ابن عصفور فعدَّها تارة مع ما يلزم فيه إضمار الناصب نحو: "غفرانك لا كفرانك" وتارة مع ما يجوز إظهار عامله.
[الكشاف (1/ 704) - الكتاب (1/ 164) - المحرر (2/ 388) - معاني القرآن للزجاج
(1/ 370) - الدر المصون (2/ 696)].

الصفحة 453