كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

للمتأول فيه متعلَّق وإنّما قال: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}، ولم يقل أمهات الكتاب؛ لأنّه اعتبر المعنى وهو الأصل فجعل الآيات شيئًا واحدًا، ثم وحّد وقرب منه (¬1)، كقوله تعالى (¬2): {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 55].
و {وَأُخَرُ} جمع أُخرى، وإنما لم يصرف (¬3) للتأنيث، والعدل (¬4) عند البصريين، وقال الكسائي: لأنّه صفة كالاسم مثل عُمَر (¬5)، {زَيْغٌ} مَيل عن
¬__________
(¬1) أخبر بلفظ الواحد وهو "أُمُّ" عن جمع وهو "هُنَّ" إما لأن المراد كل واحدة منه أم، وإما لأن المجموع بمنزلة آية واحدة كالآية التي ذكرها المؤلف {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50]، وإما لأنه مفرد واقع موقع الجمع كقوله تعالى: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقَرَة: 7]، وكقول الشا عر:
كُلُوا في بعضِ بطنِكم تَعِفُّوا ... فإنَّ زمانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ
أي: بعض بطونكم.
وقول علقمة الفحل:
بها جِيَفُ الحَسْرى فأمَّا عظامها ... فبيضٌ وَأَمَّا جلدها فصليبُ
وقال الأَخفش: وَحَّدَ "أم الكتاب" بالحكاية على تقدير الجواب. كأنه قيل: ما أم الكتاب؟ فقال: هنَّ أم الكتاب. قال ابن الأنباري: وهذا بعيد من الصواب في الآية لأن الإضمار لم يقم عليه دليل ولم تدع إليه حاجة.
[الكتاب (1/ 108)؛ ابن يعيش (5/ 8)؛ أمالي الشجري (1/ 108)؛ ديوان علقمة الفحل ص 40؛ الدر المصون (3/ 25)].
(¬2) (تعالى) من الأصل.
(¬3) في "ب": (يثبت).
(¬4) في الأصل و"ي" "ب": (والعدد).
(¬5) يرى الخليل وسيبويه - كما حكاه الزجاج عنهما - أن "أُخَر" غير مصروفة لأنها فارقت أخواتها، والأصل الذي عليه بناء أخواتها؛ لأن "أُخر" أصلها أن تكون صفة بالألف واللام كما تقول: الصغرى والصُّغَر والكبرى والكُبَر، فلما عدلت عن مجرى الألف والسلام منعت من الصرف. وقيل: لم تصرف لزيادة الياء التي في واحدتها، وإن جمعها مبني على واحدها في ترك الصرف. وقال أبو عبيد: لم يصرفوها لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة. وأنكر ذلك المبرد وقال: يجب على هذا ألا ينصرف غضاب وعطاش.
وما ذكره المؤلف عن الكسائي أنكره المبرد وقال: إن لبدًا وحطمًا صفتان، وهما منصرفان.
[ابن جرير (5/ 191)؛ الزجاج - معاني القرآن (1/ 377)؛ القرطبي (4/ 13)].

الصفحة 463