كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

غيره لأنّه يتميز عنه بالمكان أو ببعض الصفات، وإذا كان على طريق الإحالة (¬1) فمثل الشيء نفسه؛ لأنّ التميّز بين الشيء ونفسه محال، والمراد هاهنا الكمية والعدد دون الطول والعرض وغيرهما، فإنْ كان المراد به القلّة (¬2) فهو صرف رؤيتهم عن المجموع، وإن كان المراد به الكثرة فهو على سبيل اللبس والتخييل، وتقديره: (يرونهم حينئذٍ كأنّهم مثلاهم) لاستحالة أن يزيد الشيء على كميته فيكون واحد اثنين في حالة واحدة، ووقوع الخلاف في المشاهدة مع عدم الحيل البشرية والأغراض الفاسدة المعهودة من الأول (¬3) ونحوه لا يكون إلا مِنْ فعل الله تعالى، فإذا (¬4) أظهر ذلك لنبي من الأنبياء كان ذلك إعجازًا (¬5)، وإنما قال: {رَأْيَ الْعَيْنِ} للتأكيد، قال الفراء (¬6): مثل الشيء اثنان؛ لأنّ (¬7) مثل الشيء ضعفه، وضعف كميته مرتين وضعفاه هو مثله مرتين (¬8). و"التأييد" الإعانة والمعونة وذلك إشارة إلى (¬9) الأمر والشأن (¬10) و (العبرة) فعل
¬__________
(¬1) في الأصل: (الإجابة).
(¬2) في الأصل: (العلّة).
(¬3) في الأصل: (الأل).
(¬4) في "أ": (إذ).
(¬5) في "ب": (إعجازًا له).
(¬6) معاني القرآن للفراء (1/ 194).
(¬7) من قوله (مثل ... إلى: لأنَّ) ليست في "أ".
(¬8) التحقيق في هذه المسألة هو أن الفئة التي رأت الأخرى مثليْ أنفسها هي الفئة المسلمة، قلَّلها الله عزّ وجلّ في أعينها حتى رأتها مثلي عدد أنفسها، ويشهد لذلك ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - حيث قال في هذه الآية: هذا يوم بدر، وقد نظرنا إلى المشركين، فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهمِ يزيدون علينا رجلًا واحدًا، وذلك قول الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفَال: 44]. فمعنى الآية على هذا التأويل: قد كان لكم يا معشر اليهود آية في فئتين التقتا؛ إحداهما مسلمة والأخرى كافرة، كثيرٌ عددُ الكافرة، قليلٌ عدد المسلمة، ترى الفئة القليل عددها الكثير عددها أمثالًا، إنما تكثرها من العدد بِمثْلٍ واحدٍ فهم يرونهم مثليهم.
[الطبري (5/ 245)].
(¬9) في "أ": (إلا).
(¬10) في "أ": (الثاني).

الصفحة 467