كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

وإنما قال: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} طمعًا منه أن يعيده الله شابًا وامرأته شابة أو ليريه آية من طريق المشاهدة كقول إبراهيم: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]، أو لم يعلم أن الغلام المبشر يكون من امرأته هذه (¬1) (...) (¬2) أنه من غيرها أو يأمره الله باتخاذ ولد ولده غيرهما، و (الغلام) الصبي و (العاقر) التي يهلك النسمة في رحمها لانسداد وخلل في طبيعتها {كَذَلِكَ} أي الأمر كما ذكرنا، وقيل: عمد جبريل إلى سعفة يابسة فحركها فصارت رطبة، فالتشبيه وقع بها، وقيل (¬3): كذلك تقدير كلام السائل مجازًا على وجه الرفق، {اللَّهُ} رفع بالابتداء.
{اجْعَلْ لِي آيَةً} كسؤال إبراهيم، وقيل: كان (¬4) من حين استجيب له إلى أن حبلت امرأته أربعون سنة، فطلب الآية ليعلم أوان الحبل، {رَمْزًا} إيحاءً (¬5)، {بِالْعَشِيِّ} العشية وهي مدة ما بين العصر إلى العشاء الآخرة، وقيل: من الظهر إلى العشاء، {وَالْإِبْكَارِ} صيرورة الزمان بكرة، وهي وجه النهار مقدمه ومنه الباكورة.
{وَإِذْ قَالَتِ} واو استئناف بدل عن الأول، {اصْطَفَاكِ} لولادة عيسى من غير زوج، وقيل: هذا الاصطفاء بدل عن الاصطفاء الأول (¬6)، {نِسَآءِ
¬__________
(¬1) (هذه) ليست في "ب".
(¬2) بياض في جميع النسخ.
(¬3) (بها وقيل) ليست في "ب".
(¬4) في الأصل و"ي": (كان جبريل) والأصل حذف كلمة جبريل.
(¬5) قوله تعالى: {إِلَّا رَمْزًا} [آل عِمرَان: 41] فإن الأغلب من معانيه عند العرب الإيماء بالشفتين، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين أحيانًا، وقد يقال للخفي من الكلام الذي هو مثل الهمس بخفض الصوت: الرمز. ومنه قول جُؤَيَّة بن عائذ:
وكانَ تَكَلُّم الأبطال رَمزًا ... وهمهمةً لهم مِثْلَ الهديرِ
وأما المراد بالرمز الذي في الآية فهو تحريك الشفتين من غير أن يرمز بلسانه بكلام، وهو قول مجاهد. وذهب ابن عباس إلى أن يكلم الناس بيده أي بالإشارة.
[الطبري (5/ 388)، ابن عساكر في تاريخه (9/ 52)].
(¬6) كرر الاصطفاء في الآية رفعًا من شأنها، قال الزمخشري: اصطفاك أولًا حين تقبلك من أمك ورَبَّاك واختصَّك بالكرامة، واصطفاك آخرًا على نساء العالمين بأن وهب لك =

الصفحة 484