كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

{بَشَرٌ} إنسان، روي أن زكريا زوّجها من يوسف بن داود النجار، فلما (¬1) صارت إليه وجدها حبلى قبل أن يباشرها فكف عنها، وكان رجلًا صالحًا فكره أن يغشى عليها وائتمن أن يسرحها خفية، فتزايا له ملك في النوم وبشره بأمر عيسى حقيقة ففرح وسكن إلى أن ولدت، ثم حملها وابنها إلى ناصرة خوفًا من آجاب الملك، وقيل: من هوادش الملك (¬2).
{وَرَسُولًا} عطف على قوله: {وَجِيهًا} (¬3)، {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ} أي: قائلًا إني قد جئتكم، ويحتمل أنه أراد به (¬4) الرسالة؛ لأنّ الرسالة في معنى القول والخلق ها هنا بمعنى (¬5) التأليف والتصوير دون التكوين (¬6)، {الطِّينِ}
¬__________
= بعد إسقاطه فمثغور، فإذا جاوز العشر فمترعرع وناشىء، فإذا لم يبلغ الحلم فيافع ومراهق، فإذا احتلم فهو حَزَوُّر، والغلام يطلق عليه في جميع أحواله، فإذا اخضرَّ شاربه فهو بأقل، فإذا صار ذا لحية ففتيّ وشارخ، فهذا كملت لحيته فهو مُتَجَمِّع، ثم هو من الثلاثين إلى الأربعين شاب، ومن الأربعين إلى الستين كهل، أي دون الشيخوخة، فعيسى -عليه السلام- يكلِّم الناس في المهد كتكليمه لهم كهلًا، وبهذا قال قتادة والربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير. ويقال للمرأة: كهلة.
[الطبري (5/ 412)؛ ابن أبي حاتم (2/ 652)؛ الدر المصون (3/ 180)].
(¬1) في "ب": (فلما وصلت صارت).
(¬2) هذه القصة من قبيل الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب كما مر بنا، كما أنني لم أعثر عليها في كتب التفاسير التي بين يدي، وقد تكرر من المؤلف الجرجاني نقله العديد من القصص والأخبار التي لم نعثر لها على أصل في كتب المصادر والمراجع.
(¬3) وأجاز الزمخشري وابن عطية وغيرهما أن يعرب "رسولًا" حالًا كأنه عطف على "يعلمه" بالمعنى. وقيل إن "رسولًا" مفعول به لفعل محذوف التقدير: ويجعله رسولًا، فهو مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحَشر: 9] أي: واعتقدوا الإيمان. وقول الشاعر [وهو منسوب لذي الرمة]:
علفتها تِبْنًا وماءً باردًا ... حتى شَتَتْ هَمَّالةً عيناها
أي: وسقيتها ماءً باردًا، وهذا اختيار النحاس في إعرابه.
[الدر المصون (3/ 186)؛ إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس (1/ 334)].
(¬4) في "ب": (ويحتمل أنه أرادا الرسالة).
(¬5) في "ب": (هاهنا حتى التأليف).
(¬6) الأصل أن صفة الخلق ينفرد بها الخالق سبحانه وتعالى، ولكن أراد المولى -عَزَّ وَجَلَّ- أن تكون معجزة لنبينا عيسى -عليه السلام- فينفخ في الطير الذي كوَّنه من هذا الطين فيكون طيرًا =

الصفحة 487