كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

شيئًا بعد شيء على التدريج وكأنه لم يكن حيًا دفعة واحدة، وذلك سنة الله في خلق الأشياء (¬1) للتمكين من الاعتبار (¬2)، وقيل: تمَّ الكلام عند قوله: {كُنْ}، ثم ابتدا فقال: {فَيَكُونُ} أي: يكون (¬3) كل مأمور بأمر.
فلما نزلت {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ} دعا -عليه السلام- (¬4) وقد نجران إلى المباهلة وخرج بنفسه متيقنًا بما أوحى إليه ربه، معه علي وفاطمة والحسن والحسين، ولم يخرج وقد نجران وتكعكعوا عن ذلك لما كان فيهم من التشكيك والظن، فقال -عليه السلام- (4): "لو خرجوا للمباهلة لاضطرم (¬5) الوادي عليهم نارًا"، وجعل آله تحت كسائه ثم دعا فقال: "اللَّهم هؤلاء آلي والِ مَنْ والاهم وانصر مَنْ نصرهم واخذل من خذلهم" ورجع مستجابًا له بفضل مِنَ الله ورحمته، والتزم وقد نجران الجزية وصالحوا على الفيء حلة وثلاثين درعًا عادية من حديد (¬6).
{تَعَالَوْا} هلموا، والتعالي إلى الشيء التقارب منه على سبيل العلو حقيقة وعلى غيره (¬7) مجازًا، والتعالي عن الشيء: التباعد منه على سبيل
¬__________
(¬1) في "ب": (الشيء).
(¬2) الذي يظهر- والله أعلم- أن جملة "خلقه من تراب" بيان عن أمره على وجه التفسير عن المثل الذي ضربه وكيف كان. وهذا اختيار ابن جرير الطبري.
[الطبري (5/ 463)].
(¬3) (يكون) من "أ".
(¬4) (السلام) ليست في "ي".
(¬5) في الأصل: (لا اضطرم).
(¬6) حديث المباهلة مع وفد نجران وقع عند البخاري (7/ 965 - ك المغازي، باب قصة أهل نجران)؛ ومسلم (2420 - ك فضائل الصحابة، باب فضل أبي عبيدة) يختلف تمامًا عن اللفظ الذي ذكره المؤلف وهو عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدان أن يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنَّا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، فقال: "لأبعثن معكم رجلًا أمينًا حق أمين". فاستشرف له أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أمين هذه الأمة".
(¬7) في "ب": (على غير).

الصفحة 495