كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

التكليف يدل عليه قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} (¬1) فنصره من لم يدرك نبيًا والوصية بنصره ونصره من أدرك موالاته واتباعه (¬2). {أَأَقْرَرْتُمْ} استقرار و (أخذ الإصر) قبوله، ويحتمل أن الخطاب للأنبياء والربانيين، وأن أخذ الإصر: توثيقه وإحكامه و (اشهدوا)، أي: ليشهد بعضكم على بعض، {وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} على المجاز (¬3)، وإنما جاز ذلك لأنه وصف نفسه بالشاهدة ووصفهم بالشهادة (¬4).
وقوله: {فَمَنْ تَوَلَّى} خاصة في الأمم دون الأنبياء عليهم السلام، ولا يبعد أن تكون عامة؛ لأن الوعيد لمن المعلوم منه أنه موجبه والذي قضى له بالعصمة عن موجبه سواء، فإذا جاز أحدهما على سبيل التحريف والزيادة والتأديب والتهذيب فكذلك يدل الآخر عليه (¬5)، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65].
{وَلَهُ أَسْلَمَ} والكلام في إسلام الكثرة (¬6) كالكلام في قنوته (¬7) و (الطوع) (¬8) قريب من الرضا وهو ضد الكره.
¬__________
(¬1) في الأصل و"أ" (أخذ الله من النبيين).
(¬2) الخطاب في هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ...} [آل عمران: 81] الآية، إلى أهل الكتاب يذكِّرهم الله به أنه أخذ الميثاق على الأنبياء وهو طاعته سبحانه وتعالى والتزام أمره، وهذا ما قرره الطبري في تفسيره وغيره من المفسرين، وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - بمعناه.
[الطبري (5/ 536)].
(¬3) في الأصل: (المحاذة).
(¬4) لا ينبغي حمل شهِادة الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهم على المجاز، بل الأصل حملها على الحقيقة، وقال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النِّساء: 166]، وقال أيضًا: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]. والشواهد على ذلك كثيرة في إثبات صفة الشهادة لله.
(¬5) الخطاب في هذه الآية -والله أعلم- لنبينا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - تسلية له فيمن أعرض عن دعوته ودعوة الرسل من قبله، وبهذا فَسَّرَ الآية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فيما أخرجه الطبري عنه (5/ 547).
(¬6) في جميع النسخ: (الكاف).
(¬7) في "أ" "ب" "ي": (دبونه).
(¬8) في "أ": (والتطوع).

الصفحة 504