كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

وقوله {وَمَنْ يَبْتَغِ} نزلت في عشرة رهط كفروا بعد إسلامهم ولحقوا بمكة وهي (¬1) دار الحرب يومئذٍ ثم تاب بعضهم فيستثني الله التائبين (¬2) وهي ناسخة لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} [البقرة: 62] في رواية علي بن أبي (¬3) طلحة عن ابن عباس (¬4)، ويصح الجمع بينهما على ما سبق.
{كَيْفَ} استفهام بمعنى البيان لموضع التعجب، وقيل: استفهام بمعنى الإنكار والإحالة لأن اجتماع حالتي (¬5) الكفر والإِسلام محال، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي} هداية التوفيق حالة إصرارهم وعتوِّهم، ولكن إذا شاء هدايتهم سبّب أسبابًا يتضحُ بها (¬6) فساد ما هم فيه فيندمون ثم يلهمهم ويهديهم إلى معرفته.
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} التائب الذي استثناه من جملة العشرة هو الحرث بن سويد بن الصامت وهي (¬7) عامة في كل تائب (¬8).
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} قيل: لما بلغ أصحاب الحارث خبره
¬__________
(¬1) في الأصل و"أ": (وبني)، وهو خطأ.
(¬2) ذكره ابن حجر في العجاب (2/ 713 - 714) عن ابن الكلبي.
(¬3) (أبي) ليست في جميع النسخ ولا بدَّ منها.
(¬4) رواه الطبري في التفسير (2/ 45)؛ وابن أبي حاتم في تفسيره (635). وذكره ابن
الجوزي في ناسخه ص 130.
(¬5) في الأصل: (حالي).
(¬6) في الأصل: (لها)، وفي "ب": (بها فؤاد).
(¬7) في الأصل: (وبني).
(¬8) ونص الحديث الذي رواه مجاهد قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، ثم كفر الحارث، فرجع إلى قومه فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيه القرآن: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)} [آل عمران:86 - 89] قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث: إنك والله ما عَلِمتُ لصدوق، وإنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصدق منك، وإنَ الله عزو جل لأصدق الثلاثةِ، قال: فرجع الحارث فأسلم، فحسن إسلامه.
[أخرجه الطبري في تفسيره (5/ 558)؛ وعبد الرزاق في تفسيره (1/ 125)؛ والواحدي في أسباب النزول ص 83].

الصفحة 505