كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

وأذن للمخلفين في غزوة تبوك باجتهاده حتى نزل (¬1): {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]، وافتتح الصوم بشهادة الواحد (¬2) على سبيل التحري والاجتهاد. وإنما توقف وانتظر الوحي في أحكام لم يكن للاجتهاد إليها سبيل، وقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} [النجم: 3] لا ينفي الاجتهاد لأن الاجتهاد ليس بهوى، وقوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 4] خاص في القرآن وما أوحي إليه من علم الغيب والأحكام دون ما بينه على سبيل المشاورة والاجتهاد والتحري (¬3)، ثم لا يجوز في مقابلة اجتهاد النبي --عليه السلام-- (¬4) اجتهاد إلا (¬5) بتمكينه؛ لأن اجتهاده كالنص من حيث تقدير الله كما لو حكم بعض الصحابة حكمًا بمشهد النبي -عليه السلام- (4) ولم ينكر ذلك.
{حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: حلالًا، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في زعمكم، فلم يأتوا بالتوراة خوف الفضيحة بتأويلهم الفاسد.
{افْتَرَى} افتعال من الفري المختلق (¬6) وهو القطع وكأن المختلق يقطع شيئًا من موهومه الباطل فيتكلم به، وذلك إشارة إلى الإتيان بالتوراة أو تحريم إسرائيل.
{صَدَقَ اللَّهُ} أي: أخبر بالحق عن كيفية ابتداء التحريم والتحليل، {فَاتَّبِعُوا} استحلوا لحوم الإبل وألبانها فإنه ملة إبراهيم لأنه سبق نذر
¬__________
= [أخرجه الطبري في تفسيره (11/ 277)؛ وعزاه السيوطي في الدر المنثور (3/ 204) إلى ابن مردويه].
(¬1) ذكر ذلك الطبري في تفسيره فقال: هذا عتاب من الله تعالى ذكره، عاتب به نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه حين شخص إلى تبوك لغزو الروم من المنافقين. وبنحو ذلك روي عن مجاهد وقتادة، أخرجه ابن جرير في تفسيره (11/ 477).
(¬2) في "ب": (القوم).
(¬3) في "أ" " ب" "ي": (والنجوى).
(¬4) (السلام) ليست في "ي".
(¬5) في الأصل و"أ": (لا).
(¬6) (المختلق) من "أ"، وفي "ب": (من الفري وهو القطع).

الصفحة 508