كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

والعمى عائق عند أبي حنيفة، ومستطيع الإحجاج كمستطيع (¬1) الحج حين المرض والحبس فيما تواترت فيها الأخبار، {وَمَنْ كَفَرَ} أي: امتنع التزام هذا الفرض وقبوله، {فَإِنَّ اللَّهَ} جواب الشرط إذ الكافر داخل في جملة العالمين.
وإنما قال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} للإعراض عن خطابهم وإنما وقع الإنكار على وجه السؤال للتعجيز (¬2) عن إقامة العذر كقوله: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]، {وَاللَّهُ شَهِيدٌ} أعظم توبيخ وتهديد.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ} نزلت في اليهود كانوا يغرون بين الأنصار من الأوس والخزرج بتذكير ما بينهم من الوقائع لينسخلوا من الدين بالضغائن والعصبية، عن زيد بن أسلم (¬3)، وفي اليهود والنصارى جميعًا وإنكارهم نعت نبينا -عليه السلام- (¬4) عن الحسن (¬5)، {تَبْغُونَهَا} تبغون لها، كقوله: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47]، والهاء عائدة إلى السبيل، والسبيل يذكر ويؤنث. و (العِوج) - بكسر العين-: الزيغ في الرأي، والعَوج - بالفتح-: الميل فيما يكون منتصبًا (¬6)، {وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} بما في كتابكم،
¬__________
(¬1) في "أ" والأصل: (مستطيع).
(¬2) في الأصل: (للتعجب).
(¬3) رواية زيد بن أسلم أخرجها الطبري في تفسيره (5/ 627)؛ وابن أبي حاتم في تفسيره (3878)؛ وعزاه السيوطي في الدر (2/ 57) إلى ابن المنذر وأبي الشيخ ولفظه عن زيد بن أسلم قال: مَرَّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا عَسَا -أي كبر سِنُّهُ- في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضِّغنِ على المسلمين، شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأوس والخزرج في مجلسٍ قد جمعهم يتحدثون فيه ... " إلى آخر سبب النزول هذا، وقد سردها الطبري بطولها.
(¬4) (السلام) ليست في "ي".
(¬5) رواه عن الحسن ابن جرير في تفسيره (5/ 630)؛ وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 717).
(¬6) في نصب "عوجًا" وجهان:
الأول: منصوب على أنه مفعول به، هذا إذا كان "تبغون" بمعنى تطلبون - قاله الزجاج والطبري.
والثاني: أنه حال من فاعل "يبغونها"، هذا إذا كان "تبغون" بمعنى تتعدون، والمعنى تبغون عليها أو فيها -قال الزجاج: كأنه قال: تبغونها ضالين.
[معاني القرآن (1/ 457)، الطبري (5/ 626)؛ الدر المصون (3/ 326)].

الصفحة 511