كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

يشارك في حول ولا قوة لا ينازع في اختيار بعزم أو خاطر، وقيل: تقوى الله حق تقاته محافظة أحكام الشرع، فالأول في المعتصمين بالله والثاني المعتصمين بحبل الله، وعن قتادة والسدي وابن زيد: أن هذه الآية منسوخة (¬1) بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} نزلت في الأوس والخزرج وتذكيرهم الضغائن واقتتال الطائفتين. قال ابن إسحاق: كانت العداوة قائمة بينهم مائة وعشرين سنة، فأزالها الله تعالى بجمعهم على الإسلام (¬2)، وقال الحسن: نزلت في جميع القبائل وما كان بينهم من الطوايل فرفعها الله بالإِسلام، و (الحبل) العهد وعهد الله القرآن والإِسلام، {وَلَا تَفَرَّقُوا} أمر بلزوم الجماعة والائتلاف على الطاعة؛ لأن ضد التفرق واحد وهو الإجماع، والنهي عن الشيء الذي له ضد واحد أمر بضده، و (التأليف): التوفيق (¬3) وإزالة التنافر، {شَفَا حُفْرَةٍ} حرف أخدود وقبر، وهذا على وجه المثل لمن قرب من الهلاك، {فَأَنْقَذَكُمْ} أنجاكم من الحفرة والنار، وإنما أخبر عنهما وأعرض عن شفا لأن المقصود فيها.
{وَلْتَكُنْ} لام أمر وأصلها كسر، سُكنا لصيرورة الواو من نفس
¬__________
(¬1) أخرجه ابن أبي حاتم (3911) عن سعيد بن جبير وقال: وروي عن زيد بن أسلم نحو هذا التفسير، وروي عند أبي العالية وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والسدي أنها نسختها أخرجه عنهم الطبري (5/ 642). وذهب ابن عباس - رضي الله عنهما - أنها محكمة غير منسوخة، وأن {حَقَّ تُقَاتِهِ} أن يجاهد في الله حق جهاده. ومثله روي عن طاوس. أخرجه عنهما الطبري في تفسيره (5/ 641).
(¬2) ذكر في سبب نزول هذه الآية ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، فبينما هم جلوس إذ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنزلت هذه الآية: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ...} [آل عِمرَان: 101] الآية.
[أخرجه الطبري في تفسيره (5/ 636)؛ والطبراني في الكبير (12666)؛ وابن أبي حاتم في تفسيره (3898)].
(¬3) في "ب": (التوفيق) بدون واو.

الصفحة 513