كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

فلا (¬1). {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} يستقبلوكم بأدبارهم؛ حالة إدبارهم منهزمين، وهو (¬2) مجزوم لأنه جواب الشرط، {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} كلام مستأنف لأنه من قضيّة الكفر قاتلوا أو لم يقاتلوا الآن قضية القتال. وحكم الآية معجزة فضلًا عن النظم والمعنى لأن الله أنجز وعده وكبت يهود (¬3) المدينة وبني قريظة وبني النضير وبني قينقاع ويهود خيبر. وكان الإخبار قد سبق به الإنجيل من الله يعني ما نطق به كتابه من المنع عن قتلهم (¬4) وسبيهم عند بذلهم الجزية.
{وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} عهود المسلمين وذممهم مؤتمرين بعهد الله وعهود النصارى والمجوس وعبدة الأوثان لهم (¬5)، فإن اليهود لا عزّة لهم ولا منعة حيث كانوا إلا بعهد وذمة، وذلك الثاني بدل عن ذلك الأول، و (العصيان): الاعتداء مع الكفر والقتل في معنى واحد، وقيل: إن العقوبة على كفرهم (¬6) وقتلهم وكفرهم وقتلهم بشؤم عصيانهم واعتدائهم على سبيل التدريج.
{لَيْسُوا سَوَاءً} كالاستثناء في الحكم لأنه خصّ الذم العام المتقدم (¬7)، والضمير في (ليسوا) أهل الكتاب سواء مستوين على الصفة المذمومة المقدمة بين اختلافهم ومن خالف الصفة المذمومة المتقدمة منهم {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
¬__________
(¬1) ذكر ابن جرير الطبري أن هذا الاستثناء منقطع وأنه مخالف معنى ما قبله. كما قيل: ما اشتكى شيئًا إلا خيرًا، وهذه كلمة محكية عن العرب سماعًا، وذهب غيره كالسمين الحلبي إلى أنه يجوز أن يكون الاستثناء متصلًا، وهو استثناء مفرغ من المصدر العام كأنه قيل: لن يضروكم ضررًا البتة إلا ضرر أذى لا يبالى به من كلمةِ سوءٍ ونحوها.
[الطبري (5/ 111)؛ الدر المصون (3/ 351)].
(¬2) في الأصل: (فهو) بالفاء.
(¬3) في الأصل: (اليهود).
(¬4) في "ب": (قبلتهم)، وهو خطأ.
(¬5) في الأصل: (لم).
(¬6) في الأصل: (عماكفهم).
(¬7) ولذا يحسن الوقوف على "سواء" لأنه وقف تام. و"سواء" في الأصل مصدر فلذلك وُحِّد، وتقدم الكلام عليه في سورة "البقرة" آية (6)، والمعنى أن الله قسَّم أهل الكتاب قسمين وهما لا يستويان: أهل الإيمان وهمِ قِلَّة، وأهل الفسق والكفر وهم الكثرة، كما قال تعالى عنهم: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عِمرَان: 110].

الصفحة 517