كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)

{أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (¬1) معطوف على قوله: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ}، ويحتمل أنه في معنى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، وقيل: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} يعني إلا أن يتوب عليهم، {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} كقولك: لألزمنك أو تعطيني حقي، فعلى هذا معناه: ليس لك أن تحكم على أعيانهم بجنة ولا نار حتمًا إلى أن يظهر الله أمره ويميز الخبيث من الطيب.
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} يدل أن إطلاق الملك يوجب نفاذ المشيئة واتجاه العذاب على حكم المشيئة.
واتصال آية الربا بما تقدم من حيث ذكر المتن لأنها توجب الشكر والانقياد، وإنما بدأ بالربا لأنه كان من شرائع الجاهلية فنهى المسلمين عنه، ليدخلوا في السلم كافة ولا يتشبهوا بالكفار، (والأضعاف أقلها ثلاثة) (¬2) والأضعاف المضاعفة (¬3) أقلها ستة (¬4)، وإنما ذكر لقبحه في المعاملة.
¬__________
(¬1) في قوله: "أو يتوب" أربعة أوجه إعرابية:
الوجه الأول: أنه معطوف على الأفعال المنصوبة قبله، والتقدير: ليقطعَ أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم، وعلى هذا فيكون قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عِمرَان: 128] جملة اعتراضية بين المتعاطفين، وإلى هذا ذهب الفراء والزجاج وغيرهما.
الوجه الثاني: أَنَّ "أو" بمعنى حتى. وعلى هذا يكون الكلام متصلًا بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عِمرَان: 128]، وإلى هذا ذهب ابن الأنباري، وأنشد قول امرئ القيس:
فقلتُ له لاتبكِ عينك إنما ... نحاولُ ملكًا أونموتَ فنعذرا
الوجه الثالث: أنه منصوب بإضمار "أَنْ" عطفًا على قوله "الأمر"، والتقدير: ليس لك من الأمر أو من توبته عليهم أو تعذيبهم شيء، فهو كقول الشاعر [ينسب لميسون بنت بحدل]:
لَلُبْسُ عباءَةٍ وتَقَرَّ عيني ... أَحَبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفُوفِ
الوجه الرابع: وقد ذكره المؤلف وهو أن "أو" بمعنى: إلَّا أنْ، والتقدير كما ذكره المؤلف، وهذا الوجه ذكره السمين الحلبي في تفسيره وذكره قبله الفراء وابن الأنباري.
[معاني القرآن للفراء (1/ 234)؛ معاني القرآن للزجاج (1/ 480)؛ الدر المصون (3/ 39)؛ الكتاب (1/ 426)].
(¬2) ما بين (...) ليست في "أ".
(¬3) في الأصل و"ي" "ب": (للمضاعفة).
(¬4) الأصل أن "أضعاف" جمع قلة، لكن قصد به هنا الكثرة ولذا أتبعه بقوله "مضاعفة" =

الصفحة 528