كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)
الثاني لفظًا إذا قرأت بالتاء (¬1)، كقولك: لا تظنن زيدًا أنه منطلق، وفي الحقيقة هو المفعول الثاني هو المفعول حقيقة فقط؛ لأنك تنهى عن ظن الانطلاق لا عن زيد نفسه، و (الإملاء): الإمهال.
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} نزلت في الفرق بين المخلصين والمنافقين؛ عن ابن جريج ومجاهد وابن إسحاق، وذلك أن القوم تمنوا أن يعطوا علامة يعرفون بها أحد الفريقين من الآخر (¬2) ومعناه: ما الله بتارك للمؤمنين، اللام لام الجحد، وإنما تنصب لأنها في الحقيقة لام كي (¬3) الذي أنتم عليه من حال الالتباس والاختلاط {حَتَّى} غاية لمحالِ الالتباس كقولك (¬4): لست أدعك على ما أنت عليه حتى (¬5) أعزك وأكرمك، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} أي: لا يعطيكم ما تمنيتم من العلامة، ولكن الله يلهم ويعطي العلامة من اجتباه من رسله كقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ} [الجن: 26] الآية، و (الاجتباء): الاختيار أصله من اجتبيت الماء إذا حصلته لنفسك.
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} نزلت في اليهود بخلوا بإظهار نعت النبي - عليه السلام - عن ابن عباس (¬6)، وقيل: مانعي الزكاة (¬7)، وقيل: في الذين امتنعوا
¬__________
(¬1) ولا بد على هذا التخريج من حذف مضاف، إما من الأول، والتقدير: ولا تحسبنَّ شأنَ الذين كفروا، وإما من الثاني، والتقدير: أصحابَ أنَّ إملاءنا خير لهم.
(¬2) أخرجه الطبري عنهم في تفسيره (6/ 263). رواه الثعلبي كما ذكره الحافظ في العجاب (2/ 799) والواحدي ص 127 عن أبي العالية.
(¬3) أي اللام في قوله "ليذر" هي لام الجحود، وهي التي ينصب بعدها المضارع بإضمار "أن" وجوبًا ولا يجوز إظهارها. وأما قول الجرجاني أنها هي لام كي فهو بعيد - والله أعلم - لأن لام الجحود يشترط أن تسبق يكون منفي عكس لام كي.
(¬4) في "ب": (كقوله).
(¬5) في "ب": (على).
(¬6) أخرجه ابن أبي حاتم (4575)؛ والطبري (6/ 270) عن ابن عباس، ونقله الثعلبي كما في العجاب (2/ 804)؛ والواحدي ص 127 - 128.
(¬7) قال الواحدي ص 127 - 128: أجمع جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وقد روي ذلك عن السدي. أخرجه الطبري (6/ 269)؛ وابن أبي حاتم (4577).