كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 2)
(الإخزاء): الإلجاء إلى الخزاية وهي الاستحياء أو الإيقاع في الخزي وهو الفضيحة، وههنا أقاويل أربعة:
أحدها: أنه لا يدخل المؤمنين النار وإن ارتكبوا الجرائم، بل يغفر لهم ويشفع فيهم لأنه تعالى لا يخزي النبي والذين آمنوا معه، أي: والمؤمنين. وهذا قول فيه مقال، وقال مقاتل: المراد بالإدخال ههنا التخليد (¬1).
وقيل: المراد بالإخزاء ههنا الإلجاء إلى الخزاية، وبقوله: {لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} [التحريم: 8] الآية الإيقاع في الخزي، فالله تعالى يلجىء بعض المؤمنين إلى الخزاية ولكنه لا يوقعه في الخزي.
وقيل: إن النار لا تعم عصاة المؤمنين فلا يكون داخلًا فيها وإن مسَّته، وإنما يتصل قوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ} بما تقدم لأن الحال يدل على أن من يدخله النار إنما دخله عقوبة لظلم حصل منه على نفسه أو غيره، وإنما قال: {مِنْ أَنْصَارٍ} ولم يقل: من ناصر لنظم رؤوس الآي أو مقابلة للظالمين و (المنادي): القرآن، عن قتادة ومحمد بن كعب القرظي (¬2) كقوله: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: 29]، وعن ابن جريج وابن زيد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، لقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] ويحتمل أن يكون المراد بالسمع سمع القلب، وبالمنادي نذير الله في قلب كل مؤمن،
¬__________
(¬1) وهو مروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أخرجه الطبري في تفسيره (6/ 312)؛ وابن أبي حاتم في تفسيره (4660). وأقرب الأقوال وهو الذي رجحه ابن جرير هو قول جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: إن من أُدخل النار فقد أُخزي بدخوله إياها وإن أُخْرِجَ منها.
(¬2) رواه ابن أبي حاتم (4662)؛ والطبري (6/ 314)؛ وابن المنذر (1270)، وعزاه في الدر (2/ 111) لعبد بن حميد والخطيب في المتفق والمفترق عند القرطبي.
وقد روي عن ابن جريج وابن زيد قال: هو محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ورجح الطبري تفسير محمَّد بن كعب القرظي.
(¬3) أخرجه عنهما الطبري في تفسيره (6/ 315)؛ وابن أبي حاتم (6464)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (2/ 111) إلى ابن المنذر.